كاترينا فاندن هوفيل
TT

على «سي آي إيه» أن تنتبه بعد ما كشفه مجلس الشيوخ

بالنسبة لمقاتلي «سي آي إيه» السريين، فإن الغضب من القانون يلازم تفويضهم. من هجمات طائرات الدرون بدون طيار إلى الجهود الرامية إلى زعزعة الاستقرار، فإن وكالة الاستخبارات المركزية مكلفة العمل كما وصفها نائب الرئيس السابق ديك شيني «تعمل في الظل» وتدوس على القانون الدولي. وهي تقوم بمهامها المحاطة بالسرية والمدعومة بالتفويض الأمني الوطني بقدر ضئيل للغالية من المحاسبة. ويعمل مقاتلو «سي آي إيه» بأمر الرئيس، لكن الرؤساء يلجأون عادة إلى النكران. فبعد أحداث 11 سبتمبر منحت الوكالة امتيازاً يجعلها تقوم بأعمال لا يعرف عنها الرؤساء.
شكل الكونغرس لجانا للاستخبارات للإشراف على الوكالة والخطر واضح. المحاربون السريون الذي يدوسون على القوانين بالخارج باسم الأمن القومي، من المحتمل أن يحتقروا الحدود القانونية في الوطن أيضاً. ذلك في صميم الفضيحة المتعمقة لتخريب «سي آي إيه» لتحقيق لجنة الكونغرس الخاصة بالاستخبارات عن برنامج التعذيب المخزي وغير القانوني خلال إدارة الرئيس بوش الابن.وبين الاتهامات والاتهامات المضادة فالحقيقة واضحة. لقد نفذت «سي آي إيه» هذه البرامج الوحشية لعدة سنوات. وخلص تقرير حديث للوكالة أن التعذيب لم يكن مجدياً. ولم تكتف الوكالة بكتم ذلك التقرير فحسب، بل كذب قادتها على الكونغرس حول ذلك، بينما أتلف عملاؤها أشرطة التعذيب. وبعد مواجهتها بتحقيق الكونغرس، أمسكت الوكالة بالمستندات وأضاعت سنوات بطلبها قيام مقاولين خارجيين بقراءة عدد مذهل من المستندات بلغ 6.2 مليون مستند بالفعل قبل تقديم بعضها إلى موظفي الكونغرس المختصين مع الأذونات الأمنية اللازمة.
وعندما تمكن موظفو مجلس الشيوخ أخيراً من تقديم تقرير من 6000 صفحة، قيل إنه يوثق وحشية البرنامج اضافة إلى عدم فاعليته، منعت «سي آي إيه» نشره، معارضة خلاصته. وعندما اُكتشف أن لدى موظفي مجلس الشيوخ تقرير مراجعة الوكالة الداخلي الذي يؤكد خلاصة التقرير، لم تلاحق الوكالة من كذبوا على الكونغرس بل لاحقت موظفي الكونغرس متجسسة على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم وما بها من معلومات، ومهددة إياهم بالتحقيق والمقاضاة. وأخيراً اغضب ذلك رئيسة اللجنة دايان فاينشتاين، التي كانت من أقوى المدافعين عن الوكالة وبرامجها السرية، فعندما يتعلق الأمر بمسائل الأمن القومي، تكون فاينشتاين مثل هيلاري كلينتون، قاسية أكثر من كونها ذكية. وبما أن سوء تصرفات الوكالة أغضبت حتى فاينشتاين، فهذا يعني أنه أثار أزمة دستورية على أعلى مستوى.
ظل الرئيس أوباما غائباً عن كل هذا من دون إذن. فعند توليه منصبه اختار أوباما أن «ينظر إلى الأمام وليس إلى الخلف» ورفض المقاضاة أو حتى التحقيق الكامل مع مرتكبي أعمال التعذيب بحجة أنه لا يريد أن «يشعر عملاء سي آي إيه فجأة أن عليهم قضاء وقتهم وهم ينظرون خلف أكتافهم». ولم يكتف أوباما بعد فصل المتورطين فحسب، بل عيّن بعضهم في مناصب عليا من مدير «سي آي إيه» جون برينان وما دون.
من الواضح أن فاينشتاين مستاءة، مستشار الوكالة العام المتورط في تهديد موظفي مجلس الشيوخ كان كبير محامي وحدة الوكالة، التي أدارت برنامج التعذيب. يقول الرئيس إنه يريد نشر تقرير مجلس الشيوخ، لكنه يرفض نقض رفض الوكالة بالسماح برفع السرية. ويدافع برينان عن انتهاكات الوكالة للجنة مجلس الشيوخ، ولكن الرئيس يقول إنه لا يزال يثق به.
لا يمكن تجاهل هذه المواجهة وكشف الأوراق. القضية التي على المحك الآن هي هل تخضع وكالة الاستخبارات المركزية للمحاسبة أمام الكونغرس والقانون أم لا، وأيضاً ما إن كان بامكان الأنشطة السرية لدولة الأمن القومي تجاوز قوانين الجمهورية؟
من المدهش أن برينان يدعي أن «سي آي إيه» لم تقم بعمل خطأ. ولكن يقول وهو على صواب، إن بوسع الرئيس أن يطلب منه الاستمرار أو ترك منصبه. وعلى أوباما أخذ الخيار الثاني، مع الأمر برفع السرية عن تقرير مجلس الشيوخ.
كما يجب توجيه وزارة العدل بالبدء في تحقيق حول تخريب الوكالة لتحقيق مجلس الشيوخ. يجب مقاضاة المذنبين وفصلهم، وعلى مجلس الشيوخ تفعيل صلاحياته الدستورية. أوباما مخطئ: نريد أن تنتبه «سي آي إيه» و«تنظر خلف أكتافها» نحو قوانين الجمهورية. إن كانت فضائح التعذيب وقتل الأبرياء بالطائرات من دون طيار يمر من دون توجيه اتهامات ومن دون مراجعة لسنوات، وتجسس الوكالة على المواطنين الأميركان، وأكثر من ذلك لا يحرك ذلك اعادة فرض هيبة القانون، فإن دولة الأمن القومي ستزداد إزدراء للدستور، الذي يفترض أن تدافع عنه.
*خدمة «واشنطن بوست»