نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مجلس إدارة السلطة.. كيف يفكر؟

مصير السلطة الفلسطينية مطروح على البحث، وبصورة جدية لدى أعضاء مجلس إدارتها، المحليين والإقليميين والدوليين، ومن المصطلحات غير الموضوعية، مصطلح حل السلطة أو تفكيكها، فلا أحد من أعضاء مجلس الإدارة يفكر في الحل بمعنى الإلغاء، ولا في التفكيك المفضي إلى ذات المعنى، وإنْ بتدرج طويل الأمد، أما الفلسطينيون الذين وصل بهم اليأس ذات يوم إلى حد التلويح بتسليم مفاتيح السلطة إلى نتنياهو، فقد اكتشفوا أن هذا التلويح لا يسمن ولا يغني من جوع، فعدلوا عنه باعتماد مصطلح آخر، وهو أن السلطة باقية، وهي المحطة قبل الأخيرة لبلوغ الدولة.
إذن فالسلطة أحد أطراف العقد لا تريد الحل، بل تريد البقاء، أمّا إسرائيل الطرف الثاني في العقد فهي لن تجازف باتخاذ قرار بحل السلطة لما يحمله ذلك من تبعات تخاف منها، إلا أنها تفضل ضغط السلطة تحت سقف منخفض بحيث يصبح مصطلح السلطة الفلسطينية أقرب إلى الرمزية منه إلى المقدمة الفعلية للدولة، وإذا كان لا بد من وظائف لهذه السلطة فهي الاهتمام بشؤون المواطنين الفلسطينيين بما يخفف من أعباء السيطرة الإسرائيلية المباشرة والتفصيلية على الحياة الفلسطينية في الضفة والقطاع بمختلف تفاصيلها.
أما الأوروبيون الذين مُنحوا صفة المقاول المالي للسلطة داخل مجلس الإدارة فهم حريصون على بقاء المفهوم القديم للسلطة كمحطة لبلوغ الدولة، إلا أن الإغلاق الأميركي والإسرائيلي عليهم يجعلهم مغدقين في التصريحات والمواقف ومعدمين في إمكانية تحقيق رؤيتهم.
أما رئيس مجلس الإدارة وهو الرئيس الأميركي الذي ينيب عنه دائمًا في العمل وزير خارجيته جون كيري، فقد ضرب مثلاً في نوع من المزاجية السياسية لا تليق بدولة عادية، فما بالك بدولة عظمى، فقد تحمست إلى الحد الأقصى في البداية وهدأت في الثلث الأول من الطريق وغابت في المنتصف ويبدو أنها استيقظت في السنة الأخيرة لولايتها فأرسلت نائب الرئيس بايدن للاستطلاع دون طروحات رسمية، وقد تطور الأمر بمبادلة سربت إلى «وول ستريت جورنال»، وغرض التسريب إنْ لم يكن الوصول إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإنه يمد من عمر السلطة الفلسطينية شهورًا ويبعد عن الإدارة الأميركية تهمة الضلوع في سياسات تؤدي إلى تقويضها.
عامل الوقت لا يخدم الفلسطينيين التواقين إلى رؤية حركة جدية تبرر تمسكهم بالسلطة وتسوّغ الادعاء القديم بأنها مقدمة للدولة، ذلك أن السلطة ومنذ أن أدار الأميركيون ظهرهم وجمدوا استثمارهم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي وهم يكابدون فراغًا جثم على حياتهم فحولها إلى سلسلة من المآزق والمشكلات لا قدرة على حلها، فصارت السلطة الحلم حاضنة لأعقد المشكلات وأكثرها استعصاءً على الحلول.
لم تعد السلطة في نظر الفلسطينيين هي تلك التي منحوها تأييدهم الكاسح وهي لم تسيطر بعد على واحد في المائة من أراضيها. أيام الواحد في المائة كانت الطرق مفتوحة لاحتمال الـ99 في المائة، أما الآن حيث لا واحد في المائة ولا طرق، بل هنالك أمر تتباهى به إسرائيل وهو احتلال الضفة بصورة مطلقة دون قوات أو تكاليف، فإن أخطر ما تواجهه السلطة ليس ما يمكن أن تقوم به إسرائيل، بل إلى أين يتطور حال السلطة عند أهلها، وهذا هو بالضبط ما تراهن عليه إسرائيل كي تعفي نفسها من تكاليف حل السلطة أو تفكيكها، بل إنها تفكر وبسذاجة القوة الحمقاء أن تكون المخلص للفلسطينيين إذا ما انهارت السلطة بفعل الإفلاس المالي والسياسي أو بفعل التصارع على النفوذ، بينما تصفه بمرحلة ما بعد عباس، وحين تُسأل إسرائيل عن مدى اعتناقها لهذه الفكرة الخرقاء تجيب بقدر كبير من الاستخفاف بالعقل: بالأمس أعطينا السلطة نصف مليار شيقل من أموالها لتفادي سقوطها ماليًا، وبالإمكان تكرار العملية إلى أن نرى ساعة الصفر.