نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

القمة العربية لزوم ما لا يلزم

بحكم التعود وإدمان الرمزيات، صار صعبًا القول.. لم يعد هنالك من لزوم لعقد مؤتمرات قمة عربية، وإذا كان هنالك من ميزة لعقد القمة التي اعتذر عنها المغرب، فهي أن موريتانيا التي ستستضيف القمة القادمة، راغبة في انعقادها على أرضها وبين شعبها، كأول قمة تعقد هناك مع دعاء من الموريتانيين ألا تكون الأخيرة.
وإذا ما وضعنا في الميزان العدد الهائل للقمم السياسية والاقتصادية العادية والاستثنائية فإننا نكتشف أن الفلسطينيين كانوا أكثر المستفيدين من انعقادها، فالقمم انعقدت في الأساس لأجلهم، وكانت دائمًا ما تتخذ قرارات للإنفاق على نضالهم، ثم هي من امتلك جرأة الإقدام على تلبية طلبهم بأن تكون منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، كما أن القمم التي أنتجت المبادرة السعودية وحولتها إلى عربية وإسلامية، كانت بمثابة الخطوة النوعية التي أنهت عهدًا طويلاً من الحيرة الدولية حول سؤال.. ما موقف العرب المحدد من قضية السلام في الشرق الأوسط؟
غير أن القمم في حياتنا العربية فقدت رونقها ومصداقية رسالتها، بفعل عدم تكريس مؤسسة فعّالة ومتطورة تتابع قراراتها وتسهر على انتظام انعقادها على نحو يشبه القمة الخليجية، والقمة الأوروبية، وقمة الدول الصناعية الكبرى، وغيرها من القمم أو المنتديات العالمية ذات التأثير الواضح في السياسة والاقتصاد، وحتى الدفاع والأمن.
وإذا كانت جامعة الدول العربية هي الجهاز التنفيذي للقمم، وتحت شعارها الأخضر الدائري تتم التحضيرات لانعقادها، فإن دورها في هذا المجال يبدو عديم الفاعلية وقليل الأثر، فهي تتلو بيانًا في الافتتاح وبيانًا في الاختتام وكفى الله الأمانة العامة عناء المتابعة. إن التطورات التي شملت الوضع الدولي وأثرت جوهريًا في علاقاته ومعادلاته، وكذلك ما يجري الآن من أحداث عاصفة تضرب في الصميم الكثير من الكيانات العربية على نحو يهدد وجود بعضها وينتج خطرًا يهدد البعض الآخر، وبعد أن اكتظت الساحة العربية بالتحالفات الإثنية والإقليمية والدولية وما تزال الأبواب مشرعة بتدخلات متنامية تحت عناوين متعددة، فماذا بوسع القمة موضوعيًا أن تفعل حيال هذا الوضع الذي ما حدث مثله منذ أن عرف التاريخ والجغرافيا شيئًا اسمه الساحة العربية.
إن بوسع أي موظف أو باحث أو كاتب، أن يستنتج قرارات أي قمة عربية قبل أن تنعقد، فهذه هي خصائص الكيانات السياسية ذات الطابع الرمزي، فبالنسبة للفلسطينيين، الذين هم أكثر زبائن القمم العربية، حصتهم من القرارات محفوظة دون زيادة أو نقصان، وبالنسبة لدول الربيع العربي الراشحة بالدم فقراراتها صارت محفوظة عن ظهر قلب، مثل القرارات اللبنانية في زمن الحرب الأهلية الداعية إلى الحفاظ على حريته واستقلاله ووحدة أراضيه، وكذلك الأمر بالنسبة لليمن والعراق وليبيا وسوريا.
ولا نظلم القمة حين نقوّمها أو نضعها في المكانة الصحيحة من حيث التأثير في واقعنا العربي بأنها فعلاً لا لزوم لها.
لم يعد خافيًا على أي مراقب، أين تصنع القرارات الحقيقية، وعلى أي أساس تبنى السياسات، وفي عالمنا العربي هنالك غرف تتم فيها الأمور الجدية، وتطبخ فيها المبادرات والسياسات، وتنتج عنها قرارات الحرب والسلام، أما القمة العربية وجهازها التنفيذي (الجامعة العربية) فليس لها في هذا الشأن أي قدر من الحضور والفاعلية، وحتى رسائلها القديمة التي كانت تبعث للعالم من خلال القمم، بأن هنالك شيئًا اسمه التضامن العربي أو النظام العربي أو حتى المصالح العربية المشتركة، لم تعد قائمة، لأنه حتى لو صدر عن القمة بيان مستنسخ بهذه المعاني والمؤشرات فلن يصدقه أحد.