محمد العريان
أقتصادي مصري- أمريكي
TT

هدوء الأسواق قد يستمر لأجل قصير

نال مستثمرو الأسهم عالميًا مؤخرا، فترة هدنة كانوا بحاجة ماسة لها من موجات تقلب الأسواق، وما تحمله لهم من خسائر. ومع ذلك، فإن هذا ربما لا يمثل بداية لمرحلة جديدة أكثر هدوءًا بالأسواق، وإنما الاحتمال الأكبر ألا تعدو تلك مجرد فترة مؤقتة قبل تجدد تقلبات الأسواق خلال الأسابيع المقبلة.
بعد انتهاء آخر جلسة تداول في الأسبوع الماضي بتحقيق مكاسب، انطلقت الأسهم العالمية في بداية طيبة. وشرعت الأسواق الأميركية في تقديم أفضل أداء أسبوعي لها منذ نوفمبر (تشرين الثاني)، وشهدت الأسواق انتعاشًا واضحًا أعقبته فترة هدوء نسبي، بل وأبلت بعض أسواق اليابان وأجزاء من أوروبا بلاءً أفضل، مسجلة مكاسب بنسب تراوحت بين 5 و7 في المائة.
وأعتقد أن أربعة أسباب تقف وراء هذه الهدنة، بعد البداية المروعة للعام الحالي، على النحو التالي: محاولات المصارف المركزية، خاصة خارج الولايات المتحدة، لبث الطمأنينة في الأسواق، وتقدم المفاوضات بين الدول المنتجة للنفط بهدف تحقيق استقرار بالأسعار، وتدافع المصارف الأوروبية بغية تجنب الانضمام للقطاعات السوقية المشوشة من خلال اتخاذ إجراءات منها إعادة شراء أوراقهم المالية، وورود بعض الأنباء الاقتصادية الأميركية الإيجابية - وإن كانت محدودة.
ومع ذلك، فإن أيًا من هذه العوامل لا يخدم بدرجة كبيرة التصدي لثلاث حقائق أكبر وأهم بكثير، ناهيك عن التغلب عليها، وهي:
أولاً: ستواجه أرباح الشركات مزيدًا من التحديات متمثلة في استمرار المؤشرات الدالة على تفشي حالة الوهن الاقتصادي عالميًا، واستمرار عجز الحكومات عن تقديم الاستجابات الضرورية. يذكر أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انضمت، الأسبوع الماضي، لمؤسسات اقتصادية رقابية دولية أخرى في طرح توقعات بتحقيق معدلات نمو منخفضة. كما أشارت المنظمة لمخاطر إضافية.
ثانيًا: تتنامى الشكوك حول قدرة المصارف المركزية على تحجيم التقلبات المالية. والملاحظ أنه حتى المؤسسات المستعدة لاتباع مثل هذه السياسات، خاصة في الصين واليابان، تواجه شكوكًا في مدى فاعليتها. في المقابل، فإن مصارف مركزية أخرى أكثر فاعلية، مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي، ربما لا تبدي القدر ذاته من الاستعداد للقيام بذلك، خاصة بالنظر إلى أن المؤشرات الاقتصادية المتوافرة توحي بأن التقلبات الاقتصادية لم تلوث النشاط الاقتصادي، بجانب بدء موجة تحسن في الأجور وتضخم الأسعار.
ثالثًا: لا يبدو أن الأيام القليلة من المكاسب السوقية، نجحت في استعادة دور رأس المال طويل الأجل في تحقيق الاستقرار. بدلاً من ذلك، يبدو من البيانات المتاحة حول تدفق الأموال أن السوق لا تزال بحاجة لإعادة التسعير باتجاه مستويات أدنى كثيرًا بهدف اجتذاب تدفق رؤوس أموال كبيرة طويلة الأمد.
وحتى تتغير هذه العوامل الثلاثة، فإن النوبات المتقطعة لهدوء الأسواق - التي لحسن الحظ سنشهد البعض منها - من المحتمل أن تكون قصيرة الأجل على نحو يثير الإحباط. بيد أن ذلك لا يعني أن المستثمرين ينبغي أن يكتفوا بدور سلبي في مواجهة أسواق شديدة التقلب من المحتمل أن تثير حالة كبيرة من القلق، بل وتجبر البعض على التصفية في الوقت الخطأ. بدلاً من ذلك، أنصح المستثمرين بالتفكير في إضافة عنصر تكتيكي لتدعيم مركزهم الاستراتيجي والهيكلي طويل الأمد.
نظرًا لاحتمالية تعرض الأسواق مجددًا لتقلبات كبيرة، فإن فترات الضغوط باتجاه الأسفل ستظل مرتبطة بتقلبات مفرطة بالأسعار وتفشي حالة من الذعر من دون داعٍ. وبالنسبة للمستثمرين المتميزين بروح المخاطرة، فإن مثل هذه التقلبات تحمل وراءها فرصة تحقيق مكاسب عند النقاط السعرية المناسبة، وذلك بالنسبة للأسماء التي تملك عناصر اقتصادية ومالية أساسية قوية. وخلال فترات تحرك الأسواق بالاتجاه المعاكس، فإن ذات هذه المجموعة من المستثمرين ستتاح أمامها فرصة حصد أموال نقدية، مع الاستمرار في تحسين جودة ممتلكاتهم.
إلا أنه من المعتقد أنه بسبب تشبثهم بفكرة «اشترِ واحتفظ»، قد يرفض الكثير من المستثمرين المعنيين بالاستثمارات طويلة الأجل، إضافة عنصر تكتيكي لتوجهاتهم الاستثمارية، لكن الفشل في تحقيق ذلك قد يضعهم في مواجهة مخاطرة إغفال الصورة الواقعية الأكبر، التي تشير إلى أن الأسواق المتقلبة تتحرك بثبات نحو مزيد من التقلب.
والملاحظ أن العالم يشهد تغييرات تتعلق بالسياسات المتبعة والواقع الاقتصادي، تقوض عاملين خدما المستثمرين الذين يتبعون أسلوب «اشترِ واحتفظ» بدرجة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية: أولهما: النمو العالمي، الذي رغم تراجعه، ظل مستقرًا نسبيًا. ثانيًا: كانت المصارف المركزية المهمة لا تزال مستعدة، وقادرة على قمع التقلبات المالية وتعزيز أسعار الأصول المالية.
أما الآن، فيبدو أن هذا الوضع في طريقه للتلاشي، علاوة على أن الوضع الجديد لم تتحدد ملامحه بعد، وسيعتمد بدرجة كبيرة على ما إذا كان السياسيون قادرين على التخلي عن الاعتماد المفرط على المصارف المركزية، والانتقال نحو توفير استجابة تتمثل بسياسات أوسع نطاقًا. وفي تلك الأثناء، من الأفضل أن نتهيأ لمعاودة الأسواق المالية تقلبها بدرجة أكبر.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»