أنا ساوبيري
كاتبة اميركية من خدمة «نيويورك تايمز»
TT

نهاية عهد ميركل

من المرجح إلى حد بعيد أن تحدد الأسابيع القليلة المقبلة مستقبل توجه ألمانيا بشأن أزمة اللاجئين – وربما مستقبل البلاد نفسه.
هناك موعدان مهمان يقتربان: اجتماع قمة أوروبي اليوم وغدًا، ويعد بمثابة الفرصة الأخيرة للمستشارة أنجيلا ميركل لإقناع بقية أوروبا بسياسة الباب المفتوح التي تنتهجها حيال اللاجئين، ثم يعقب ذلك انتخابات في 3 ولايات فيدرالية في ألمانيا في 13 مارس (آذار)، من شأنها أن تكون بمثابة استفتاء ضمني على المسار السياسي للسيدة ميركل.
قد تتذكر الأجيال القادمة الشهور الماضية على أنها الأيام الأخيرة في عصر «التلاقي». على مستوى القارة، يعني «التلاقي» التطور السياسي في فترة ما بعد الحرب، باتجاه «اتحاد أكثر وثاقة» بين الدول الوطنية الأوروبية، على حد تعبير المؤرخ الألماني أندرياس فيرشينغ. وحتى وقت قريب، كان هذا التلاقي يبدو أشبه بأحد قوانين الطبيعة، باعتباره ضرورة حتمية يمكن إبطاؤها لكن لا يمكن أبدًا الرجوع عنها.
وخلال العقد الماضي – العهد الميركلي – جرى تطبيق مفهوم «الالتقاء» على التطورات داخل ألمانيا كذلك. وقد بدا أن الاختلافات الثقافية والاقتصادية بين شرق ألمانيا وغربها، وإن كانت لا تزال كبيرة، فهي آخذة في التقلص. وبدا أن المجتمع قد بات أكثر تسامحًا، على سبيل المثال تجاه الأمهات العاملات. وصل أبناء وأحفاد المهاجرين الأتراك إلى مناصب مهمة، مما رسخ وجودهم في التيار الرئيسي للمجتمع. أما التحالف الكبير بين الديمقراطيين الاجتماعيين والديمقراطيين المسيحيين فبدا أنه محا ما تبقى من اليسار واليمين. وكانت السيدة ميركل باعتبارها امرأة، وتنتمي لألمانيا الشرقية، ومعتدلة من كل الوجوه، تبدو على الفور نتاجًا وشخصية ريادية لهذا التطور.
كانت هذه أيام ميركل، وهذه الأيام ولت.
الآن هناك قوى مركزية قوية نشيطة، كما يعاد ترتيب النظام الحزبي في ألمانيا. وأولئك الذين يشعرون بأنهم هم الخاسرون في هذا العصر من التعددية المتزايدة – وهم الشرقيون والرجال البيض المسنون – ينقلون غضبهم إلى الإنترنت واستطلاعات الرأي، ويصوتون لصالح حزب أقصى اليمين: «البديل من أجل ألمانيا»، الذي يعد بالتصدي لـ«اللياقة السياسية»، وإغلاق الحدود.
يجتذب حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي من المتوقع أن يحصل على 7 إلى 15 في المائة من الأصوات في انتخابات الولايات المقبلة، يجتذب الناخبين من حزب الديمقراطيين الاجتماعيين الذي كان فيما مضى من الأحزاب الكبيرة، والذي تظهر استطلاعات الرأي أنه يتجه للفوز بـ13.5 في المائة فقط في ولاية فادن - فورتنمبرغ، ومتفوق على حزب الخضر. وفي ألمانيا، حيث عادة ما تتشكل الحكومات من ائتلافات من الأحزاب الفائزة بالانتخابات، يعد وجود اليمين المتطرف في هذا المزيج أمرًا أقل ما يقال: إنه غير مريح.
الأمر لا يتعلق بالسياسات فقط. في الشوارع، وحتى بين الأسر، هناك غضب واضطراب. كما يتصاعد العنف ضد منازل طالبي اللجوء. ويحتدم نقاش مليء بالتعصب على الإنترنت، حيث يتهم المواطنون الحكومة ووسائل الإعلام الألمانية بالكذب ويتحولون لوسائل الإعلام الروسية للحصول على المعلومات.
وقد يكون من أكثر أعراض التفكك الاجتماعي وضوحًا هو أنجيلا ميركل نفسها. لقد كانت نسب التأييد المرتفعة لها تضعها فوق مستوى الانتقاد. أما الآن وفجأة لا يتفق 81 في المائة من الألمان مع إدارة الحكومة لأزمة المهاجرين، وكشف استطلاع للرأي الأسبوع الماضي عن تدني نسب التأييد لها شخصيًا بواقع 12 في المائة، حيث بلغت 46 في المائة. كما أن السيدة ميركل، التي كانت فيما سبق مركزًا لمركزية ألمانيا، تتعرض للتهميش أيضًا.
يعد الحديث عن التلاقي حديثًا غائيًا. و«الاتحاد الأكثر وثاقة» ليس بندًا في معاهدة، أو وصفًا رصينًا لما شهدناه على مدار العقود المنصرمة. إنه ما كنا نظن أنه أمر طبيعي الحدوث، وما كنا نظن أن على أوروبا القيام به.
الأمر نفسه ينطبق على الاتحاد الأكثر وثاقة بالنسبة إلى المجتمع الألماني. بالنسبة إلى اليساريين من أبناء الحضر من أمثالي، تصبح فكرة أننا قد نتجه لمرحلة من التفكك – إن لم يكن التراجع – مؤلمة، لأنها تظهر أننا قد تعرضنا لكذبة؛ تلك الكذبة القائلة بأن التاريخ شارع ذو اتجاه واحد، يتحرك للأمام دائمًا نحو مجتمع ليبرالي حر متعدد الثقافات. ويظهر القلق بسبب تدفق المهاجرين أن الكثير من الألمان لم يعودوا يتشاركون هذه الرؤية، إذا كانوا تشاركوها من قبل أصلاً.
وربما أصبحت السيدة ميركل محاصرة في نفس المأزق. إن احتضانها الكامل للاجئين الصيف الماضي وتأكيدها على أن الترحيب بهم كان جهدًا مجتمعيًا أوروبيًا، بدا مبنيًا على الاعتقاد بأن كل تطور كان خطوة إلى الإمام.
من الصعوبة بمكان التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك. ربما لن تغير السيدة ميركل نهجها بالكامل، ليس في هذا التوقيت، ولكنها بدأت، بأسلوبها الحذر، المعتاد، تتخلص من صورة «الأم ميركل». في اجتماع حزبي إقليمي في 30 يناير (كانون الثاني)، توجهت بالخطاب إلى اللاجئين مباشرة، قائلة: «عندما يعود السلام من جديد في سوريا، وعندما تتم هزيمة (داعش) في العراق، نتوقع منكم العودة». وفي نفس الوقت، تقدمت واحدة من أقرب حلفاء ميركل، ومن أبرز المرشحين في انتخابات مارس (آذار)، وهي جوليا كلوكنر، باقتراح بشأن اللاجئين يضع بشكل كبير سقفًا لعدد اللاجئين الذين يدخلون البلد – وهو أمر رفضت ميركل نفسها القيام به. ينظر إلى خطة السيدة كلوكنر على نطاق واسع، بأنها بالون اختبار. لكن بالنظر إلى الاهتزازات الشديدة التي تضرب ألمانيا، قد لا يكون وضع سقف لعدد اللاجئين كافيًا لتهدئة الأمور.
يرى البروفسور ويرشينغ أن الأزمة أربكت نموذج «التلاقي» ولكنها خلقت في النهاية خطوطًا جديدة للتعاون قربت دول القارة من بعضها البعض. وربما، على المدى الطويل، يمكن قول الشيء نفسه عن ألمانيا. أنا فقط لا أرى أن هذا اليوم سيأتي قريبا.

* خدمة «نيويورك تايمز»