أنا ساوبيري
كاتبة اميركية من خدمة «نيويورك تايمز»

العام الذي غيّر كل شيء بألمانيا

حلّ الشتاء، وتبدو ألمانيا على أهبة الاستعداد. وبعد أن ساد القلق من أن تضطر البلاد إلى تقنين استهلاك الطاقة، نجحت الحكومة في ملء المخزونات. واليوم، انطلق موسم العطلات بكامل قوته، تماماً مثلما كانت الحال في الأعوام الماضية. ومع أن المكاتب والمنازل أصبحت أشد برودة بعض الشيء، تعج الأسواق بالحركة، وتتلألأ الشوارع بأنوار الاحتفالات. ولم يكن أي من ذلك أمراً مؤكدَ الحدوث. في الواقع، بذلت ألمانيا على مدار الشهور الـ10 منذ اجتياح فلاديمير بوتين لأوكرانيا، جهوداً حثيثة للعثور على بديل لإمدادات الغاز التي اعتادت الحصول عليها من روسيا، وتعادل 55 في المائة من وارداتها.

ألمانيا وعصر الاستبداد السياسي

لقد كان أحد أكثر الانتصارات المجازية سخافة في تاريخ ألمانيا. ففي مساء الأحد، وبعد انقضاء 56 يوماً من محادثات الأحزاب الأربعة بشأن تشكيل الحكومة الائتلافية، انسحب الحزب الديمقراطي الحر، المؤيد لعالم المال والأعمال، على نحو مفاجئ من المفاوضات، مما أسفر عن انتهائها بصورة فعالة. وتحتل «التوافقية» محل الحمض النووي في النظام الديمقراطي البرلماني الألماني - ولذلك، عندما استيقظ الشعب الألماني صبيحة يوم الاثنين على تلك الأنباء، كانت تمثل صدمة كبيرة بالنسبة لهم. فإن مثل هذا الإخفاق يعد من أكبر التحديات في الدور الجديد الذي تلعبه ألمانيا على الصعيد العالمي اليوم.

ترمب يوحد الألمان ضده

رغم ما يبدو عليه الأمر من غرابة، لكن كان هناك بالفعل وقت بدا خلاله السياسيون الألمان شخصيات لطيفة، فقد كان في صفوفهم هيلموت شميت الذي تولى منصب المستشار خلال سبعينات القرن الماضي، والذي خاض غمار أوقات عصيبة بصلابة ودأب. إلا أن هذا كان فيما مضى، ومنذ ذلك الحين تولت إدارة البلاد مجموعة من الرجال والنساء المتبلدين، الأمر الذي لم نجد فيه نحن الألمان غضاضة. ولسبب وجيه، بدا أن الألمان كانوا يعانون من حساسية معينة إزاء الكاريزما السياسية. بعد ذلك، جاءت مجموعة جديدة من الزعماء العالميين من أصحاب المظهر العصري، كان أولهم باراك أوباما، والآن جاستن ترودو في كندا وإيمانويل ماكرون في فرنسا.

بعد خروج بريطانيا.. هل تستطيع ألمانيا قيادة أوروبا وحدها؟

سواء اتضح أن قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي كارثة أو مجرد حجر عثرة في الطريق أمام اتحاد أوروبا، فهناك نتيجة واحدة واضحة لا تحتمل التأويل، وهي أن خروج بريطانيا سوف يعزز دور ألمانيا كزعيمة للقارة، وهو الدور الذي لا ترتاح له ألمانيا أو أي دولة أخرى. نادرا ما شعرت ألمانيا بتلك الوحدة رغم وجودها وسط أوروبا.

نهاية عهد ميركل

من المرجح إلى حد بعيد أن تحدد الأسابيع القليلة المقبلة مستقبل توجه ألمانيا بشأن أزمة اللاجئين – وربما مستقبل البلاد نفسه. هناك موعدان مهمان يقتربان: اجتماع قمة أوروبي اليوم وغدًا، ويعد بمثابة الفرصة الأخيرة للمستشارة أنجيلا ميركل لإقناع بقية أوروبا بسياسة الباب المفتوح التي تنتهجها حيال اللاجئين، ثم يعقب ذلك انتخابات في 3 ولايات فيدرالية في ألمانيا في 13 مارس (آذار)، من شأنها أن تكون بمثابة استفتاء ضمني على المسار السياسي للسيدة ميركل. قد تتذكر الأجيال القادمة الشهور الماضية على أنها الأيام الأخيرة في عصر «التلاقي».