خلال منتدى سابان لسياسات الشرق الأوسط الذي عقد في معهد بروكنغز بواشنطن، وجه مراسل صحيفة «أتلانتك»، جيف غولدبيرغ، سؤالاً استفزازيًا لوزير الخارجية الإسرائيلي اليميني السابق أفيغدور ليبرمان، جاء كما يلي: «تتغير الأمور جذريًا ليس فقط في الشق غير اليهودي من الولايات المتحدة، بل أيضًا في الشق اليهودي منها، حيث أصبح الأمر يتعلق بالولايات المتحدة وسمعتها.. سؤالي هو: (أ) هل تبالي؟ (ب) ماذا ستفعل حيال ذلك؟ و(ج) إلى أي مدى يعنيك ذلك»؟
وكانت إجابة ليبرمان كالتالي: «كي أتحدث بصراحة، لا أهتم»، مضيفًا أن إسرائيل عاشت عمرها وسط جيران مثلوا خطرًا عليها. أشهد لليبرمان بالأمانة في إجابته عندما قال: «في الحقيقة، لا أبالي بطريقة تفكير الأميركيين، سواء اليهود أو غير اليهود، بشأن إسرائيل».
استرجعت ذلك الحوار بينما كنت أستمع إلى المناظرات الجارية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري عندما انحرف النقاش تجاه السياسة الخارجية وتحدث المرشحون بإسهاب عن تفاهات الوقوف إلى جانب حلفائنا الإسرائيليين وكذلك السنة العرب. إليكم خبر عاجل: يمكنك تجاهل تلك المواقف. أيًا كان الرئيس القادم، فسوف يتعين عليه التعامل مع شرق أوسط مختلف تمامًا.
سوف يكون شرق أوسط يهيمن عليه الصراع حول حل الدولة الواحدة، وحل اللادولة في سوريا واليمن وليبيا، وحل اللادولة الذي تقدمه «دولة داعش»، وحل الدولة المارقة الذي تقدمه إيران.
لنبدأ بإسرائيل، فعملية السلام قد ماتت، انتهى الأمر أيها الرفاق، فأرجو أن تتوقفوا عن إرسال محرر صفحة الرأي بصحيفتكم «نيويورك تايمز» للترويج لحل الدولتين لدى الإسرائيليين والفلسطينيين. سوف يتعين على الرئيس الأميركي القادم أن يتعامل مع إسرائيل المصممة على احتلال كامل المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، بما في ذلك الضفة الغربية التي يقطنها نحو 2.5 مليون فلسطيني.
كيف وصلنا لهذه النقطة؟ الكثيرون رشقوا سكاكينهم في عملية السلام، ولذلك من الصعب تحديد من وجه الضربة القاضية. هل هم المستوطنون من اليهود؟ المتعصبون المصممون على التوسع والاستحواذ على الأراضي في الضفة الغربية والقادرون على الوقوف في وجه أي سياسي أو ضابط إسرائيلي يعارضهم؟ هل هم طبقة مليارديرات اليمين اليهود أمثال شيلدون أديلسون الذي يستغل نفوذه لإضعاف أي انتقادات قد تثار داخل الكونغرس الأميركي ضد بنيامين نتنياهو؟
أم هو نتنياهو الذي لا يوجد شيء يفوق رغبته الجامحة في الاحتفاظ بمقعده في السلطة سوى نضوب خياله العاجز عن إيجاد حل آمن للانفصال عن الفلسطينيين؟
فاز نتنياهو وأصبح الآن شخصية تاريخية وأبًا مؤسسًا لحل الدولة الواحدة.
وحماس هي الأم، فقد كرست حماس كافة مصادرها لحفر الأنفاق لشن هجمات على الإسرائيليين من داخل غزة، بدلاً من تحويل غزة إلى سنغافورة، لتجعل من دعاة السلام الإسرائيليين أضحوكة. أطلقت حماس صاروخًا بالقرب من مطار تل أبيب مما دفع الولايات المتحدة لتعليق جميع رحلاتها إلى هناك ليوم كامل، في إشارة واضحة إلى كل الشعب الإسرائيلي، حمائم كانوا أم صقورًا، لما يمكن أن يحدث في حال تخلوا عن الضفة الغربية. لكن حماس لم تكن بمفردها، إذ قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعزل سلام فياض، أول رئيس وزراء نشط يحارب الفساد ويثبت أن الفلسطينيين يستحقون دولة لهم بأن ركز على بناء المؤسسات، لا على حلول الأمم المتحدة.
كلهم شاركوا في قتل حل الدولتين. دعوا عصر الدولة الواحدة يبدأ وسوف يشمل حربًا مدنية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وازديادًا في عزلة إسرائيل في أوروبا وفي حرم الجامعات، وهي أمور يجب أن يفكر فيها الرئيس الأميركي القادم. في نفس الوقت، دولة اللادولة في سوريا، وهي الدولة التي بات يسيطر عليها بشار الأسد وداعموه من الروس والإيرانيين جزئيًا، سوف تكون جرحًا غائرًا في الصدر ينزف لاجئين إلى أوروبا. أنا على ثقة في أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتعمد قصف السوريين المناهضين للنظام كي يدفعهم للهرب إلى أوروبا بهدف شق صف الاتحاد الأوروبي واستنزاف موارده كي يخلق منه منافسًا ضعيفًا لروسيا ونصيرًا أضعف للولايات المتحدة.
سوف تتغذى دولة اللادولة المسماة بـ«دولة داعش» والدولة الشيعية المارقة إيران على بعضهما البعض. أحب كثيرًا أن أسمع المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين يقولون «عندما أصبح رئيسًا سوف أجعل العرب السنة في مقدمة المحاربين ضد (داعش)». أراهن أن أوباما نفسه لم يفكر يومًا في أن يفعل هذا.
من الصعب أن يقدم العرب السنة على تحطيم اللادولة المسماة «داعش» طالما استمرت إيران في التصرف كدولة شيعية مارقة، لا كدولة طبيعية. نعم إيران دولة حضارة وقد يكون بمقدورها الهيمنة بديناميكية مشاريعها، وفنانيها، لكن آيات الله لا يثقون في قوتهم الناعمة. يفضل آيات الله المروق بحثًا عن الوقار في كل الأماكن الخطأ عن طريق وكلائها الشيعة في أربع عواصم عربية: بيروت، دمشق، صنعاء وبغداد.
وبناء عليه، فإن نصيحتي لجميع المرشحين هي الاستمرار في الحديث عن وهم الشرق الأوسط. فبمقدوري دائمًا السماع لحكايات قبل النوم كي أشعر بالنعاس، لكن عليّ أن أكون على أهبة الاستعداد لمجابهة الواقع.
* خدمة «نيويورك تايمز»