فرانسيس ويلكنسون
TT

كيف فجرها دونالد ترامب؟

مع بداية عام 2016، يواجه الجمهوريون تحديات تعتبر مألوفة بقدر ما هي عميقة. أولاً الحزب الجمهوري لا يزال حزب البيض بالأساس في دولة متعددة الأعراق والثقافات. وثانيًا القاعدة الاقتصادية للحزب - أي خفض الضرائب على الأثرياء وكل شيء سوف يتحول إلى الأفضل - قد فقدت زخمها منذ زمن طويل لدى الرأي العام الأميركي.
وبعد عام أو نحوه من الحملة الانتخابية الرئاسية القوية، لم يتمكن الحزب من إحراز أي تقدم يُذكر في مساوقة خيالاته الاقتصادية مع العالم الواقعي الحقيقي. وكما كتب عزرا كلاين في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد جولة سخيفة من الردود حول مناظرات مرشحي الحزب الجمهوري: «لقد حبس الجمهوريون أنفسهم في بوتقة من السياسات الغريبة للغاية - بما في ذلك تخفيضات الضرائب التي تمنح الكثير من الأموال للأثرياء، وتسبب ثغرات كبيرة جدًا في العجز المالي، حتى إن مواجهتهم بشأن تلك السياسات بأي طريقة من الطرق الجادة تبدو وكأنها من قبيل الهجمات الشرسة عليهم».
في هذه الأثناء، وعلى المسار العنصري، فقد الجمهوريون قاعدتهم الشعبية. فالحملة التمهيدية التي تضم اثنين من النواب الموهوبين من أصول كوبية مع الحاكم السابق المتزوج من سيدة مكسيكية، ويتحدث الإسبانية بطلاقة في المنزل قد هيمنت عليها الموجة المفتوحة للازدراء العنصري من جانب البيض، بالإضافة إلى كراهية الأجانب.
ولقد جلب الجمهوريون تلك المشكلات على أنفسهم بطبيعة الحال. ولكن مع تعديل طفيف، قد تتحول الأمور إلى صورة مختلفة بعض الشيء.
لقد عمد ترامب إلى تحدي الحزب بشأن الإنفاق على برامج الاستحقاقات للمواطنين الأميركيين الأكبر سنًا. وبدلاً من الدعوة لتخفيضات الضرائب على الأثرياء، تعهد بحماية برنامج الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، ومحاكاة مزيج آخر من السياسات - من حيث المزايا السخية لكبار السن، وإغلاق الحدود في وجه المهاجرين، والتعصب حيال الوافدين الجدد - التي تدعم وتنعش برامج الأحزاب الشعبوية الأوروبية.
لم يكن الأمر يحتاج إلى دفعة قوية من جانب دونالد ترامب لزعزعة التوافق الجمهوري على الضرائب كذلك. وفي استطلاع للرأي صدر في مايو (أيار) الماضي عن صحيفة «نيويورك تايمز» وشبكة «سي بي إس نيوز»، فإن 47 في المائة من الجمهوريين يوافقون على أن «الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء في البلاد من القضايا التي يجب التعامل معها فورًا». حتى مع باراك أوباما المكروه وجوده في البيت الأبيض، فإن ثلث الجمهوريين يقولون إنه ينبغي على الحكومة «أن تصنع شيئًا» لتجسير تلك الفجوة الكبيرة.
وفي استطلاع آخر للرأي، أجرته مؤسسة «غالوب» في الشهر ذاته، وعلى الرغم من اللغة المصممة بعناية لإثارة الردود السلبية لدى المحافظين، فإن 29 في المائة من الجمهوريين يوافقون على أن الحكومة ينبغي عليها «إعادة توزيع الثروات» من خلال فرض «الضرائب الباهظة» على الأثرياء. وفي الحزب الذي تمزقه الفصائل المختلفة، فإن ثلث الأصوات المؤيدة لقضية ما لا يساوي الشيء الكثير. وليس دونالد ترامب بحاجة لأن يتقمص شخصية بيرني ساندرز بالكامل حيال قضية إعادة توزيع الثروات: ففي خضم التنافس الكبير بين المرشحين الجمهوريين للخروج بخطط مجنونة، فإن الخطة غير المجنونة تكون كافية من دون شك.
بدلاً من ذلك، توقف ترامب على نحو مفاجئ. ثم خرج بخطة، من شأنها، وفقًا لمؤسسة الضرائب، أن تنتقل بأقصى قدر من المزايا إلى نسبة 1 في المائة الأعلى من كبار أصحاب الدخل، في حين تضيف المزيد من 10 تريليونات دولار في الدين لأكثر من عشر سنوات.
إنه أمر سيئ للغاية؛ إذ إن ترامب، الذي لا حاجة لديه لرفع تمويل حملته الانتخابية، كان بإمكانه اقتراح إعفاءات ضريبية للطبقة العاملة المؤيدة له والممولة من خلال إغلاق فجوات الضرائب الواسعة المستغلة من جانب المتبرعين لمنافسيه بدلا من العجز المالي؛ فهل من شأن ذلك المسار أن يكون بمثابة إسفين في الحزب؟ أجل. غير أن ذلك الإسفين موجود بالفعل. ومن الناحية الواقعية، إلى أي مدى يتوقع الجمهوريون الاستمرار في المنافسة في عصر التفاوت الصارخ، في ظل وجود خطط لنقل الثروات إلى الأثرياء بالفعل للأبد؟
وبدلاً من التخفيف من تحديات الحزب الجمهوري فيما يخص السياسة المالية، تخير ترامب التسبب في تفاقم مشكلات الحزب حول القضايا العنصرية.
من الصعب القول إن التأثير الصافي لذلك سيكون على سباق 2016 الرئاسي. ولكن المرشح الجمهوري، في جميع الاحتمالات، سوف يواجه معركة حتمية في الخريف المقبل، مع خطة مالية سخيفة، ورائحة تصريحات ترامب القومية لا تزال يتصاعد دخانها عبر الأجواء. وبالنسبة للحزب ذي الحاجة الماسة إلى سياسات جديدة وناخبين جدد، كان تأثير ترامب سامًا للغاية.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»