ليبيا التي ظلت دولة موحدة منذ الاستقلال عام 1951، صارت مهددة الآن بالدخول في نزاعات عبثية بفعل مجموعات صغيرة ملكت السلاح والمال، تحركها دوافع انتهازية ومصلحية قصيرة النظر، وإلى جانب هذه المجموعات هناك تنظيمات شديدة التطرف، تسعى إلى السيطرة على مواقع استراتيجية، بعض تلك المواقع في المدن كما هو الحال في سرت وما حولها، وبعضها الآخر في مصادر النفط إنتاجًا وتصديرًا، بينما لا توجد حتى الآن قوات رسمية لا من الجيش ولا من الشرطة لمواجهة تلك الأخطار، التي تتسع من دون وعي حقيقي من أطراف الصراع، أو بتجاهل متعمد منها وبما ستؤدي إليه تلك الأخطار من مضاعفات على جميع المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.
لقد أكد المجتمع الدولي من خلال مبعوثيه ومن خلال فرقه، أنه جاد في مساعدة الشعب الليبي للخروج من المأزق الذي يعيشه منذ سنوات، وأن المجتمع الدولي الآن هو أكثر جدية في مواقفه، لأن له مصلحة في استقرار ليبيا، خصوصًا بعد انتشار أعمال الإرهاب ووصولها إلى قلب أوروبا، عبر موجات الهجرة وبعضها قادم من ليبيا. كذلك بدأ مندوب الأمم المتحدة الجديد السيد مارتن كوبلر بدأ جولاته واتصالاته، ويتوقع أن يكون حاسمًا في التسريع بدعم الحكومة الوطنية الجديدة، التي ستكون حكومة وحدة للتعامل مع الأزمة باستراتيجية واضحة تطمئن الجميع، ومن المهم أن يتقدم العقلاء والحكماء وأهل العلم في البلاد بمشروع للمصالحة الوطنية الشاملة التي لا تستثني أحدًا، إلا من يرفض بناء دولة القانون والخيار الديمقراطي وصناديق الاقتراع.
المرحلة الآن تتطلب حكومة أزمة من أهل الكفاءات والنظافة والإخلاص، مع مراعاة التوازن الجغرافي الذي يرمز ويؤكد أن ليبيا التي بناها الأجداد على أسس سليمة، خصوصًا بعد تعديل الدستور عام 1963، ستظل موحدة وقادرة على النهوض من كبوتها الحالية. وإلى جانب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والمؤمل أن تظهر للوجود قريبًا، حسب توقعات بعض الأوساط الليبية الفاعلة في الميدان، فإن مشروع المصالحة سيكون نجاحه هو الضامن لتحقيق الاستقرار والأمن والدخول في عملية بناء مؤسسات الدولة.
إن المجتمعات لا يمكن أن تبنى على الخوف والكراهية والاقتتال والتهجير والخطف والانتقام، والدول كذلك لا يمكن أن تستقر وتقوم بأعمال التنمية ما لم يتحقق التوافق والانسجام الاجتماعي والثقافي. ويمكن للشعب الليبي الذي عانى كثيرًا خلال السنوات الماضية أن يدعم حكومة الوحدة الوطنية بقوة، وأن يساعدها في العمل من العاصمة طرابلس، ومن المؤكد أن الشعب الليبي الآن أكثر وعيًا وأشد حرصًا على أن يرى حكومة واحدة تخضع لإدارتها جميع مؤسسات الدولة كبيرها وصغيرها، وأن تصبح جميع تلك المؤسسات في خدمة المواطن على أسس سليمة.
* سفير ليبيا في لندن