نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

ثلاث عمليات ودرس واحد

عملية باريس.. نظرًا للمكان أصبحت منذ الطلقة الأولى أهم حدث كوني، وأكثر الأعمال الإرهابية تأثيرًا ليس على المجتمعات والشعوب، وإنما على صنّاع القرار الدولي في العصر الذي نعيشه. لم يبقَ في قواميس اللغات وصف إلا وقيل في العملية ومنفذيها، ولم يبقَ مسؤول محلي وإقليمي ودولي إلا وتوعد بإجراءات صارمة لاجتثاث الإرهاب من جذوره، وإضافة إلى الطائرات التي لم يعد يُعرف عددها، والتي تتناوب على الإغارة بين العراق وسوريا، حركت فرنسا المنكوبة حاملة الطائرات «شارل ديغول» لدعم قصف التحالف للرقة أولاً، ولأي مكان يعمل فيه «داعش» لاحقًا، وها نحن نراقب الإجراءات الفرنسية المتسارعة تحت عنوان الحرب المفتوحة ضد «داعش»، التي تتناغم معها إجراءات لدول حليفة تحت العنوان نفسه، وإلى حد ما نحو الهدف نفسه.
أما العملية الثانية فهي تلك التي وقعت قبل يوم واحد في بيروت، والتي سميت يومًا بباريس الشرق، حيث وقع هجومان انتحاريان في قلب الضاحية الجنوبية، التي يقع فيها واحد من أشهر المخيمات الفلسطينية... برج البراجنة، وبحكم المكان والهوية لم يحظَ تفجير الضاحية للاهتمام المتوازي مع فداحة الخسائر، وأكاد أجزم بأنه نسي في اليوم التالي.
أما العملية الثالثة.. فهي تلك التي وقعت في الجو وراح ضحيتها المئات من السياح الروس الذين جاءوا من بلادهم ليس فقط للاستمتاع بماء وشمس شرم الشيخ الساحرة، وإنما وفاءً باستحقاق روسي سياسي بدعم من خلال أفواج السياح كإسهام في إنقاذ السياحة المصرية من الانهيار. هذه العمليات الثلاث تقوّم من خلال نتائجها الراهنة والمباشرة، إذ زعزعت ركائز الاستقرار القلق في لبنان وأصابت في مقتل السياحة المصرية، أما عمليات باريس فكانت بمثابة زلزال ضرب أوروبا، وأضاء إشارة حمراء في كل عواصم الغرب بأنه لا مكان في مأمن من عمليات كالتي وقعت. ما الدرس الواحد والوحيد المستخلص من هذه العمليات الثلاث؟! إنه ببساطة انكشاف عمق الفشل الذي آلت إليه تحالفات الحرب على الإرهاب، التي بعد الانضمام الروسي إليها بصورة أو بأخرى بلغت حجم الكون كله، إذ لم تبقَ دولة إلا وشاركت في هذه الحرب بصورة مباشرة أو مستترة.
إن القوى التي تعلن التزامها بمحاربة الإرهاب تشكل أكثر من 90 في المائة من حجم قوة الكون كله، ويكفي أنه لو تم استخدام واحد في المائة من هذه القوة بصورة جدية لأغلق الملف منذ سنوات، فلماذا يحدث ذلك؟ أي العجز عن النجاح، ويمكن القول: ليس هكذا فحسب، وإنما تحقيق نتائج عكسية، وهذا الذي يحدث يثير شكوكًا من أن القوى التي ترفع شعار محاربة الإرهاب وتسوّق مواقفها وسياساتها تحت هذا العنوان لا تقوم فعلاً بمحاربته، بل الأصح أنها تقوم باستثماره وفق أجندات معلنة أو مضمرة، وهذا الذي يجري لا نتيجة محسومة له سوى المزيد من تعقيد الأمور والابتعاد عن الحلول الحاسمة لهذه الظاهرة، فكم من جثة يحتاج تعديل الأجندات الكونية لتأمين مصالح المتصارعين في الشرق الأوسط وعليه، وكم من تفجير سيهز ضمائرنا إذا ما استمر الحال عليه، ويظل العالم يقصف ويندد ويرسل الطائرات إلى سماء الأزمة دون ملامسة أرضها، فلو كانت هنالك جدية في وقف هذه المآسي المتوالدة لرأينا سياسات غير التي نراها، ولرأينا نتائج إن لم تحقن الدماء، فعلى الأقل تخفف من نزفها.
إن الازدواجية في المنطق وتآخي المتناقضات قطعا بولادة ظواهر مأساوية سيد الموقف فيها هو الرؤية السطحية للمصالح وكيفية تحقيقها، وليس أدلّ على ذلك من أن عصف النار في الشرق الأوسط يلفح أوروبا وربما أميركا، وفي أمر كهذا لا أمان لأحد حتى لأولئك الذين يعتقدون أنهم صنّاع القرارات والمصائر.