يقول المثل «يد واحدة لا تصفق» ويُجيب البعض إن يدا واحدة يُمكنها أن تصفق ليس فقط بطريقة واحدة بل بثلاث طرق على أقل تقدير، ويُحيلونك إلى كثير من المقالات التي تصف قدرة اليد الواحدة لوحدها على إصدار صوت التصفيق بآليات مختلفة، ولا مجال للاستطراد في عرضها. الجدل قديم، ومردّ حسم أي نوع من الجدل هو العودة إلى التعريفات البسيطة، ولو عرّفنا التصفيق بأنه الصوت الصادر عن ضرب كف بكف، فإن من المستحيل أن تُصفق يد واحدة لأن التعريف اشترط وجود يد أخرى لإتمام توفر متطلبات الفعل قبل تقييم النتيجة. ولو عرّفنا التصفيق بأنه صوت صادر عن حركة الكف فإن يدًا واحدة بإمكانها أن تصفق وتصفق وتصفق.
وفي عالم الخدمة الطبية وتقديم المعالجة، يأتي دائمًا السؤال التالي: كيف نعرف أن المريض تحسن بتلقي المعالجة؟ والجواب يُدخلنا في عالم أوسع من المتاهات كما سيأتي، ولذا نعود إلى ما هو تعريف «التحسن» ومنْ يُقرر حصوله وكيف يُقاس؟ والجواب هنا لا يبدأ من السؤال الأول بل من الثاني ثم الثالث ثم نعود إلى الأول، وتحديدًا «منْ يُقرر» أي هل هو الطبيب أو المريض؟ ومنْ يُجري عملية القياس؟
إن قياس مقدار الاستجابة للمعالجة يتألف من مكونين اثنين، الأول «موضوعي» Objective، والثاني «غير موضوعي» Subjective، أو التقييم الذاتي من قبل المريض. والجزء «الموضوعي» هو الشق السهل وهو الواضح وهو الذي يقوم الطبيب بقياسه وفق معطيات محددة، مثل انخفاض مقدار حرارة الجسم بعد ارتفاعها أو انخفاض مقدار ضغط الدم بعد ارتفاعه، أو صغر حجم ورم معين في عضو ما بعد أن كان بحجم أكبر، أو نجاح استئصال عضو يُنصح باستئصاله كمعالجة، أو غير ذلك من الأمثلة اليومية التي تحصل لدى المرضى كعلامات مرضية Disease Signs أو كموجودات مرضية تعتدل تدريجيًا أو تخف أو تُزال بفعل تلقي المعالجة. الجزء «غير الموضوعي» هو الشق الصعب في وجهة نظر الطبيب لأنه لا يقيسه وليس واضحًا له، بل هو الشق الواضح للمريض والذي هو دون غيره يقوم بقياسه، ومن أمثلته سهولة البلع بعد صعوبة ذلك أو انخفاض مدى الشعور بالألم في البطن أو المفصل، أو غير ذلك. والذي يحصل غالبًا - بناءً على معرفة المريض بأن الطبيب يُجري فحوصات وتحاليل – هو اعتماد المريض في التصريح بنتائج قياسه «غير الموضوعي» لتحسنه بناء على التقييم «الموضوعي» للطبيب، ومن هنا تبدأ متاهة أخرى لا يُعطي المريض فيها قياسًا واضحًا لمدى شعوره بالتحسن أو قد لا يشعر المريض أن تحسنه الذي يشعر به كافيا لشعوره بالتحسن والرضا.
ولنعد إلى الطبيب في تقيميه «الموضوعي» ونراجع أهداف المعالجة لديه، الطبيب غالبًا يهدف إلى تحقيق أحد أو كل من جانبين، الجانب الأول، هو تخفيف الأعراض المرضية والعلامات المرضية، والجانب الثاني، هو التخمين والتوقع المستقبلي نتيجة تلقي نوعية من المعالجة دون أخرى للحالة المرضية برمتها، ولو تحقق للطبيب توفر وسيلة معالجة تُحسّن الجانب الأول والثاني فهي الغاية وهو المرتجى، وفي حالات يُغلّب الطبيب تحقيق الجانب الأول رغم علمه عدم تحسّن الجانب الثاني والعكس صحيح. مثل إصلاح الصمام المعتل في القلب أو زراعة صمام صناعي بديل، أو مثل إجراء عملية قلب مفتوح لتخطي الشرايين التاجية المتضيقة بدلاً من توسيع تلك الشرايين المتضيقة بالقسطرة، وغير ذلك.
وهنا في تحقيق نجاح المعالجة الطبية، يكون المكون «الموضوعي» يد، والمكون «غير الموضوعي» يد أخرى، والسؤال: هل لا يتم التصفيق في نجاح المعالجة إلاّ بهما، أم أن يدًا واحدة بإمكانها أن تُصفق للدلالة على حصول تحسن حالة المريض، أي إما بيد الطبيب أو بيد المريض.
وكثير من الدراسات الطبية تلتفت بشكل قوي نحو التقييم «الموضوعي» من قبل الطبيب وبشكل أخف نحو التقييم الذاتي أو «غير الموضوعي» من قبل المريض، وبالمقابل يختلف المرضى في ذكر درجة تحسنهم إن كانوا بالفعل يشعرون به وبغض النظر عن مستوى رضاهم عن المعالجة وعن أداء الطبيب. ولكن يظل السؤال يحتاج إلى إجابة يومية وفي كل حالة مريض، والسؤال لا يطرحه الطبيب فقط بل المريض على نفسه وأقاربه وأصدقاؤه يطرحونه أيضًا، وتختلف الإجابات بفعل عوامل متنوعة منها ما له علاقة بالمعالجة ومنها بعيد كل البعد عنها.
وعلى سبيل المثال، فان ارتفاع ضغط الدم شيء مهم للطبيب، لكن هذا الارتفاع لا أعراض له قد يشكو منها المريض، وكذلك فإن حجم الورم السرطاني في عضو ما مهم نسبيًا للطبيب، ولكن قد لا يشكل للمريض أي فرق في الأعراض سواءً كان بحجم نصف سنتيمتر مكعب أو سنتيمترين مكعبين. وبالمقابل، قد يشكو المريض من أعراض حصاة المرارة أو من تضيقات شرايين القلب، ولكن بعد عملية استئصال المرارة أو جراحات التخطي للشرايين القلبية بعملية القلب المفتوح فإن هناك أعراضا أخرى مزعجة للمريض قد تظهر ولم تكن لديه في السابق. وأسوأ من هذا، قد يُعالج الطبيب التهابا فطريا في أحد أظافر القدم بتناول عقار عبر الفم ثم يزول هذا الالتهاب الفطري، ولكن مع نشوء التهاب في الكبد نتيجة تأثير هذا الدواء عليه.
ويبقى السؤال لدى الطبيب ولدى المريض، هل المطلوب حصول التحسن الموضوعي أو غير الموضوعي؟
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]
