سعد المهدي
TT

مفاوضات الأشهر الخمسة.. الحكمة والأريحية تنتصران

انتهت أزمة مواجهة المنتخب السعودي ونظيره الفلسطيني ضمن منافسات تصفيات مونديال روسيا 2018 وكأس آسيا في الإمارات 2019، بعد خمسة أشهر من المفاوضات على نقلها خارج رام الله، حيث أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) موافقته على أن تلعب في أرض محايدة، مع تأجيل موعدها إلى الاثنين المقبل.
هذه الأزمة انتهت بمعجزة من خلال تدخل جهات عليا في البلدين أسهمت في فض اشتباك الرياضيين من منطلق الحرص على علاقات البلدين والشعبين، وألا يتسبب ذلك في تعكير صفوها. وتجلت فيها حكمة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، وأريحية محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.. لتتفتت أزمة الأشهر في دقائق.
الملعب «البيتي» في رام الله، الذي اعتبره الاتحاد الفلسطيني رمزا لانتصاره في إعادة الحياة الكروية على المستوى الدولي، هو بيت القصيد عند اللواء جبريل الرجوب، وليس عدم الرغبة في تحقيق طلب السعوديين في ألا يلعبوا في رام الله لأسباب سياسية لها اعتبارات سيادية تخص السعودية ولا أحد يمكنه إجبارها على التخلي عنها. خشي الاتحاد الفلسطيني من أن يتبخر حلم اللعب في رام الله نهائيا إن أعطى موافقته، وكان يريد ضمانات أن تكون الحالة السعودية استثناء، فيما يخشى السعوديون أن يكون سفرهم إلى رام الله عبر معابر يشرف عليها الإسرائيليون ملمحا من ملامح التطبيع، قد يعطي رسالة خاطئة لأطراف كثيرة.
كلا المبررين له منطق عند كل طرف، لكن الأرجح وجاهة عندي هو المبرر السعودي الذي يعبر عن موقف تاريخي لا يمكن التنازل عنه، وإذا كان سيدفع ثمن ذلك خسائر رياضية فهي تضاف إلى جملة تضحيات وبذل على مدار عقود نصرة للقضية الفلسطينية، أما إمكانية بقاء ملعب رام الله مفتوحا لاستقبال المباريات الدولية فهذا ما يجب أن يعمل عليه الاتحاد الفلسطيني ما دام يرى ذلك في صالح القضية من وجهة نظره، لكن دون أن يضع في حسابه أن تلعب المنتخبات والأندية السعودية فيه للأسباب ذاتها.
لا نريد خصومات شخصية بين الطرفين في الاتحادين السعودي والفلسطيني، ولا حملات إعلامية على خلفية ما جرى تسيء لأي منهما، ولا نريد أن يكون في نقل المباراة لأرض محايدة نصر سعودي، أو هزيمة فلسطينية، ولا أن يحمل أي طرف منهما مسؤولية التجاوزات الإعلامية التي يحتمل أن تطغى على مشهد بعض وسائل الإعلام في هذين اليومين هنا أو هناك، أو حتى ما ستحمله وسائل التواصل الاجتماعي من غثاء، بل ننتظر أن يسهم الطرفان في تخفيفها إن لم نقل وأدها، من خلال البيانات والتصريحات المنضبطة، المتعقلة.
هذه الأزمة ليست بفعل تعصب إعلامي كما يحب أن يصفها البعض عندما يريدون تبرئة الاتحاد السعودي من عجزه عن حل قضية بين طرفين يقعان تحت مظلته، ولا يقف خلفها ناد أو شخصية ذات نفوذ كما يروج البعض، عندما لا يحقق اتحاد الكرة العدالة والمساواة بين الأندية. هذه الأزمة كان طرفها اتحاد الكرة السعودي مع نظيره الفلسطيني، وقد ظل عاجزا عن حلها أو إدارتها على نحو صحيح لخمسة أشهر. كان بإمكانه التعامل معها قبل توزيع المنتخبات على المجموعات، بحيث يطلب قرعة موجهة تضمن عدم مواجهة المنتخب الفلسطيني، وكان بإمكانه طلب لعب المباراتين في أرض محايدة، وكان بإمكانه التنسيق مع بقية اتحادات المجموعة للاتفاق على عدم الذهاب إلى رام الله أو إقناعها باستحالة ذلك بالنسبة له على الأقل، كل ذلك قبل بدء التصفيات وليس بعد أن بدأت حساباتها النقطية والتنافسيةـ لكنه لم يفعل واكتفى بالظهور الإعلامي معلقا مرة ومستغربا أخرى.. ثم أخيرا منسحبا!