علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

رؤية الإمارات

لا يعرف أحد كيف سيكون شكل المنطقة العربية والشرق الأوسط كله بمكوناته العربية وغير العربية، بعد أن تتجاوز المنطقة الإعصار السياسي الذي تمر به حاليا وبدأ عام 2011 ولم ينته بعد، وعلى الرغم مما خلفه من دمار وتقطيع للنسيج الاجتماعي في دول عربية، فإنه لن يستمر إلى الأبد، وسيتعين أن تكون هناك نهاية له مع ترتيبات جديدة، مثلما حدث بعد الحرب العالمية الأولى ورسم خرائط جديدة.
لذلك جميل أن يكون هناك من يتحدث عن رؤية مستقبلية للمنطقة تحدث عنها الوزير الإماراتي أنور قرقاش قائلا: إنها رؤية هدفها تعزيز أجندة الأعمال وإغلاق مربع التناقضات والفوضى.
والإمارات مؤهلة لذلك، حيث نجحت في مسيرة 4 عقود في فرض نفسها على الخريطة العالمية كقوة اقتصادية، وكمحطة دولية للأعمال والسياحة، وكلاعب إقليمي مهم سياسيا تراعي القوى الدولية رأيه في كل ما يمس قضايا المنطقة.
الوزير الإماراتي أشار إلى أن هذه الرؤية لا تقوم على الغضب والاستياء، وتعتمد العمل بشكل وثيق مع السعودية ومصر لإغلاق مربع التناقضات والفوضى.
هذا الغضب وهذا الاستياء أفرزا ظواهر شعاراتية تعتمد على الزعيق والصراخ، الذي يشبه الطبلة التي تصدر صوتا عاليا، لكنها من الداخل جوفاء، وصاحبته ظواهر مثل الشعور بالهزيمة، وعدم القدرة، وتحميل الآخرين خطأ مسؤولية ذلك، وإدمان نظريات المؤامرات في تفسير كل الأحداث بشكل مرضي، وكأن العالم كله ليس لديه شيء يفعله سوى التآمر علينا.
لقد نجحت الإمارات في نموذجها المحلي، لأنها لم تعتمد على الشعاراتية بل الحقائق، وعظمت الاستفادة من الميزات المحلية لخلق وتنشيط دورها كمركز ترانزيت عالمي للتجارة، ولم يكن لديها خوف من الانفتاح على العالم والاستفادة من الخبرات في السوق العالمية دون أي شعور بالنقص أو الخوف من الآخرين.
سيقول البعض إنها ميزة الثروة النفطية، وهي فعلا ساعدت على توفير التمويل لمشاريع البنية الأساسية وإنجازها في وقت قياسي، لكن لم يكن النفط هو العامل الحاسم، بدليل أن لدينا نماذج دول نفطية أخرى فشلت في القيام بتنمية حقيقية، وأهدرت ثروتها في مغامرات وأمراض قادتها في الشعور بالعظمة، وأمامنا حالة واضحة على ذلك، فليبيا ثروتها النفطية تعادل الإمارات، وهي في حالة فوضى واقتتال بعد أن أضاع القذافي أربعة عقود في مغامرات وعقود تسلح.
ما تحتاج إليه المنطقة العربية فعلا هو الرؤية التي ترسخ الاعتدال والثقة بالنفس وبالمستقبل، وهذا هو الذي سيهزم ثقافة الانتحار التي تروجها تنظيمات الإرهاب والتطرف، وتستغل فيها الشباب ليصبحوا قنابل مفخخة تسير على قدمين.
الرؤية التي تعتمد على الاعتدال وترسيخ التعاون الاقتصادي في التنمية واحترام سيادة الدول هي التي ستمنع المغامرات السياسية، وتفرض تشابك المصالح، الذي يجعل تكلفة التوترات السياسية عالية، ولا أحد يريدها.
النجاح الاقتصادي هو الذي سيوفر فرص العمل لملايين الشباب، وفضلا عن ذلك سيؤدي إلى إزالة النظارة السوداء التي ترى بها مجتمعات العالم والمستقبل، وسيخلق روح التفاؤل بالقدرة على صناعة مستقبل أفضل.
والإمارات بحكم خبرتها الاقتصادية وعلاقاتها الدولية في هذا المجال، مؤهلة لنقل التجربة إلى بلدان عربية أخرى مستعدة لذلك.
لقد رفع الإخوان شعارا بعد الربيع العربي في محاولة لاختطاف الشارع يقول: لقد جربتم القومية ثم الاقتصاد المفتوح إلى آخره، ولم تصلوا إلى شيء، ويمكن الرد على ذلك: لماذا لا نجرب التعاون والنجاح الاقتصادي؟ فأحد أسباب الفشل هو الإخوان أنفسهم بخلطهم السياسة بالدين، وهي آيديولوجيا ساعدت على التطرف.