عبدالرحمن الشبيلي
إعلامي وباحث سعودي
TT

ماجد الشبل.. الغائب الحاضر في لقاء الملك

يهتم الكثيرون في المجتمع العربي بمعرفة الأنساب والانتسابات المناطقية، لدرجة تدفع المهتم بها إلى المبادرة بالسؤال عن الانتماء بمجرد أن يسمع باسم يوحي بناحية أو عشيرة، يتبع ذلك بالطبع شعور بالزَهو عندما تتطابق الإجابة مع توقّعات السائل وحدْسه، دون اكتراث بما يلفّ الخوض في مثل هذه الأمور من حرج، نتيجة الشكّ والجدل فيها.
وعلى الرغم من وجود ماجد الشبل في الرياض منذ نصف قرن، فالسؤال ما انفكّ يُطرح عن جذوره الأُسريّة وعلاقتها بنجد، وما كان مثل هذا الاستفسار ليُطرح مجتمعيًّا - بالطبع - لولا الاعتزاز بكفاءته الإعلامية الرصينة المشهودة، ولسان حال المواطن البسيط يُضمر المقولة الشعبية المعروفة «عسى الطيّب من ربعنا».
والواقع أن الأستاذ ماجد (محمد عبد الله الشبل) ينتمي إلى أسرة الشبل المعروفة في عنيزة بالقصيم، وهي ترتبط مع شقيقتها أسرة الشبيلي بعلائق الأصل والرحم مُشكّلتين شجرة عائليّة موحّدة، غير أن أسرته المقيمة سابقًا في دمشق لا علاقة تربطها بإعلامية سابقة في قناة الجزيرة، تحمل الاسم نفسه وترتبط حاليًّا بالنظام السوري.
وكان والده قد استقرّ في حي الميدان الشهير في دمشق الشام، أسوةً بكثير من الأسر السعودية التي هاجرت مع حملات العقيلات النجدية المعروفة في القرنين الماضيين، وقد توفي الوالد قبل انتقال ذريته إلى الرياض، وكان ماجد أكبر إخوانه (عاطف وغالب وبشّار) المقيمين في السعودية كما أنه أكبر أخواته (ماجدة وشكران ورحاب) وقد تزوجت الأولى والثانية من أبناء عمومتهن في السعودية، أما ماجد فكان قد تزوّج في فترة مبكرة في الشام ورزق بابنته الوحيدة (سمر) التي تقيم معه في الرياض، وأنجبت أسباطه الأربعة (هلا وماجد ومنصور وفارس جوهرجي) وكان ماجد يكنّى أحيانًا بين معارفه باسم والده عبد الله أو باسم ابنته، لكن البعض عرفوا أنه يحب اسم «راكان»، على الرغم من عدم وجود هذا الاسم في أسرته، فصاروا يلقّبونه به، وقد توفيت والدتهم في الرياض بعد أن أقامت معهم نحو ثلاثين عامًا.
ولد أبو سمر في دمشق عام 1935 ولم تمكّنه الظروف من إكمال دراسته الجامعية أو من اكتساب لغة ثانية، لكنه عشق تخصّص اللغة العربية وكان هاويًا للأدب والشعر، وهو ما يفسّر براعته في إلقاء المقطوعات الشعريّة والنثريّة وفي سلامة أدائه من اللّحن، وقد التحق بالتلفزيون السوري عند افتتاحه في مطلع الستّينات، وتدرّج فيه حتى أصبح مديرًا للتنفيذ (بمنزلة كبير المذيعين عُرفًا) واشتهر ببرامجه الحوارية والإخبارية والشعريّة وبالمسابقات، وكنت قبيل افتتاح التلفزيون السعودي (يوليو/ تموز - 1965) زرت التلفزيون السوري بغرض الاطلاع على تنظيماته ماكثًا فيه بضعة أيام ومُتّخذًا من مكتب الأستاذ الشبل مكانًا للتواصل مع الكوادر الإعلامية (من أمثال خضر الشعّار وسهيل الصغير) حتى إذا ما انتهى الشهر، كانت وزارة الإعلام السعوديّة قد استقطبت عددًا من الكفاءات الإبداعية اللبنانية والسورية، ومن بينهم ماجد الشبل وأحمد تاج الدين الشيخ وعدنان فرهود ومجموعة من الفنيين في مجال التصوير والمونتاج والإضاءة والديكور والتمثيل والماكياج ممن لا يتّسع المقام لتفصيل أسمائهم، وسبقتهم مجموعة من الكفاءات التي تجمع بين الخبرتين الإذاعية والتلفزيونية مثل زهير الأيوبي ومنير الأحمد، وجاء في طليعة تلك النخبة عمر الخطيب الإعلامي الأردني - الفلسطيني المعروف ومنير شمّاء الإعلامي الفلسطيني الشهير في إذاعة لندن، وتكاملت تلك الكوادر بامتياز مع الكفاءات الإعلامية السعودية حديثة التدريب في الداخل والخارج، في مزيج متناغم، قامت عليها تحدّيات البداية للإعلام السعودي.
وهو إعلامي «مخضرم التجربة» في كونه شارك - باقتدار - في التلفزيون العربي (السوري المصري حين الوحدة) والسوري بعد الانفصال، وشاهد أنماطًا من المحطات العربية، وعايش بداية التلفزيون السعودي ودخوله عصر تقنية الملوّن والرقمي، وحافظ بعد استقراره في الرياض منذ منتصف الستينات - ومن ثمّ استرداده الجنسية الأصليّة في السبعينات - على خطّ وطني ملتزم، وعلى نهج إعلامي متوازن، عازفًا عن الوظيفة التنفيذيّة، وظل وفيًّا لتقديم نشرات الأخبار والتعليقات وبرامج المسابقات وإجراء المقابلات الوثائقية مع المشاهير من كبار الأدباء والمثقفين والعلماء (ومنهم طه حسين وعلي الطنطاوي) والفنانين العرب (ومنهم محمد عبد الوهاب) يتداولها الكثيرون عبر قناة «يوتيوب»، وبقي بعيدًا عن المنافسة على المناصب الإدارية أو الدخول في المماحكات السياسية، يُمثّل كفاءة إعلامية راقية تتكامل فيه عناصر الإبداع والمهنيّة (الصوت واللغة والأداء وانضباط المواعيد والجرأة الموزونة) مع فهم عميق لأسس الإخراج السينمائي والتلفزيوني المحترف يعشق مشاهدة كوادره ولقطاته وفنونه دون ممارسته، ويحوز الاحترام والحب من قِبل جمهوره، تجلّى ذلك في ذكره المحمود، وفي تعاطف شبكات التواصل الاجتماعي معه بالتعليقات الودودة إبّان الظروف الصحيّة التي ألمّت به على مدى خمسة عشر عامًا؛ مما تسبّب في غيابه يوم الأربعاء الماضي عن لقاء الملك سلمان بالإعلاميين، وهو يُعَدّ في نظر معاصريه من الإعلاميين صاحب مدرسة دائمة الألق ونمط واضح متجدد، وإن كان يميل إلى الصيغة الكلاسيكية والأصالة في العرض والتقديم، يتمنّى مجايلوه أن يسيروا على منواله، وكان وجوده وأقرانه المخضرمين، من الإعلاميين المحترفين النوادر من السعوديين، ومن العرب (من أمثال خلدون المالح وسامي عودة)، فضلاً عن الكتّاب والمُعدّين (كمحيي الدين القابسي) والمخرجين المحليّين والمتعاقدين (أمثال بشير مارديني ومنذر النفوري)، وغيرهم ممن فات على القلم أو ضاق المقام عن استحضار أسمائهم - إحدى سمات التميّز و«كيمياء» الانصهار ومصدر الاعتزاز بحقبة مبكرة، اتسمت بكثير من التحدّيات رافقت نشأة التلفزيون السعودي في الستينات والسبعينات، حقبة ستعود باحتراف أفضل مما كانت عليه بإذن الله.