باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

طوق جديد من العقد والتشابكات

تبادل الزيارات الرسمية بين رؤساء الدول له أصول، ويخضع لبروتوكولات معروفة. فهناك ما يسمى «زيارة الدولة»، وهي أعلى المستويات، ويشمل الإعداد لها تزيين الشوارع بأعلام الدولة المدعوة، وإقامة مآدب رسمية في قصر الحكم، وإنزال الرئيس المدعو في أحد القصور، وتبادل أعلى الأوسمة بين الرئيس المضيف والرئيس الضيف. وهناك زيارة «درجة ثانية» يحتفى فيها بالضيف، ولكن على مستوى أقل بهرجة وحفاوة من «زيارة الدولة». وهناك، ثالثا، ما يسمى زيارة عمل تقتصر على اجتماع أو اجتماعين، وتنتهي بعقد اتفاقية أو اتفاقيتين بين البلدين. وهناك، أيضا، «الزيارة الخاصة» التي يقوم بها الرؤساء، إما لإجراء فحوص طبية أو للاستراحة وللاستجمام.
إلا أنه، منذ أيام، أضيف إلى هذه الأنواع أو الرتب من زيارات الرؤساء، تلك الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، بمفرده، ولم تستغرق سوى ساعات. ولم يظهر معه في صور اجتماعه بالرئيس الروسي أي مسؤول أو مرافق سوري. مما حمل البعض على القول بأن هذه «الزيارة» إنما كانت نوعا من «الاستدعاء» الروسي للرئيس السوري، بعد التدخل الحربي الروسي الصريح والكثيف في القتال المحتدم في سوريا.
ودفعا للتأويلات الإيجابية أو السلبية لهذا الاستدعاء - أو الزيارة أو اللقاء - سارع الرئيس الروسي إلى الاتصال بثلاثة رؤساء دول عربية، وبعواصم كبرى، في محاولة لتوضيح موقف موسكو من الحرب الأهلية في سوريا. مؤكدا أنه تدخل عسكريا لا لإنقاذ نظام بشار الأسد، بل لمحاربة الإرهاب الذي تمثله «داعش». كما سارع إلى تلبية الدعوة إلى مؤتمر دولي مصغر في جنيف موضوعه الوحيد: الوضع في سوريا.
قد يكون الرئيس الروسي يناور، وقد يكون جادا فيما يقول، ومؤمنا بأن الخطوة الأولى لإنهاء القتال هي القضاء على «داعش» والجماعات المعارضة المسلحة، من ثم البحث في مسألة بقاء الأسد في الحكم أو ذهابه. وبأن الحل السياسي إنما يتم بتفاهم الدول الغربية والسعودية وإيران وتركيا، كما قال. ولكن هل تكفي هذه «الخطة» الروسية لإقناع جميع الأطراف بها؟ هل تقبل إيران بانتزاع سوريا (وبالتالي العراق ولبنان) من قبضتها؟ وهل يقبل السوريون، المقاتلون منذ خمس سنوات، بهذا الحل الروسي الذي يلوح به الرئيس بوتين؟ ردود كثيرة وردت عن التدخل العسكري الروسي ومبادراته السياسية.
في الواقع يلعب الرئيس بوتين أكثر من ورقة من وراء تدخله العسكري في سوريا. ورقة علاقاته بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي سممتها المسألة الأوكرانية. وورقة علاقته مع الدول العربية الرافظة للنظام السوري وللتمدد الإيراني في المنطقة. وورقة علاقته بإيران - ما بعد الاتفاق النووي. وورقة علاقات روسيا بالمسلمين في روسيا والعالم الذين، وإن كانوا لا يتعاطفون مع النظام السوري، باتوا يتساءلون عن هذا التركيز الدولي ولا سيما الروسي - الأميركي على محاربة هذه التنظيمات المقاتلة في الوقت الذي يسكت فيه عن نظام الحكم السوري الذي قتل مئات الألوف من السوريين، وشرد الملايين من ديارهم ودمر القرى والمدن؟
إن بوتين لن يتراجع عن الدور العسكري الروسي في سوريا. ولكن كم يلزمه من الوقت لكي يقتلع أو يقضي على «داعش» والفصائل المسلحة المقاتلة الأخرى المعارضة؟ وماذا عن الأراضي العراقية التي تحتلها «داعش»؟. أما الولايات المتحدة فموقفها من التدخل الروسي لا يخلو من «المراوغة»، إذا جاز التعبير. أي أنها لا تعارض ولا تقاوم التدخل الروسي، بل تنسق غاراتها مع غاراته في سماء سوريا. فلئن نجح في القضاء على «داعش» لوفر عليها القيام بهذه المهمة الصعبة والمكلفة. أما إذا فشل فيكون قد غرق في حرب تذكر بما حصل في أفغانستان أو فيتنام.
إن التدخل العسكري الروسي أضاف إلى دوامة العبث السياسي المحتدم في سوريا بل وفي الشرق الأوسط، طوقا جديدا من العقد والتشابكات. ولا يحتاج الإنسان إلى الاطلاع على حقيقة مواقف الدول الكبرى والإقليمية ولا سيما العربية، من الحلول العسكرية أو السياسية التي يدور الحديث عنها. ذلك أن كل مشروع حل يولد فور الحديث عنه عشرات ردود الفعل السلبية فيصرف النظر عنه قبل طرحه جديا أو رسميا على البحث.