يقول دونالد ترامب: «دعوا روسيا تتخلّص من (داعش).. لماذا علينا أن نعبأ بهذا الأمر؟». وهذا تساؤل منصف، فما الضير في أن ندع الرئيس الروسي بوتين يتولى القتال بدلاً منّا في سوريا؟
الإجابة: الكثير.
أولاً: روسيا لا تحارب «داعش»، فتبعًا لما يراه معهد دراسة الحرب، تركّزت الضربات الجوية بصورة أساسية على المناطق الخاضعة لسيطرة جماعات سنية أخرى يعتبرها الرئيس السوري بشار الأسد مصدر تهديد له، بمن فيها جماعات متحالفة مع الولايات المتحدة وتتلقّى تدريبًا منها. ويعود ذلك إلى أن الهدف الاستراتيجي لروسيا ليس تدمير «داعش»، وإنما دعم نظام الأسد المدعوم من إيران. عبر تدمير المعارضة المعتدلة، سيترك العالم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الأسد، وإما «داعش»، ولا يبدو أن الرئيس أوباما يتفهّم هذا الأمر. الأسبوع الماضي، أعلن بسذاجة أن روسيا لا ينبغي أن تستهدف المسلّحين المدعومين من جانب واشنطن.. «لأننا بحاجة لمعارضة معتدلة بهدف تحقيق الانتقال من حكم الأسد». في الواقع، هذا تحديدًا السبب وراء استهداف بوتين لهم.
ثانيًا: من شأن التدخل الروسي تعزيز «داعش»، وذلك من خلال القضاء على المعارضة المعتدلة. ومن شأن ذلك، دفع جميع الجماعات السنية إلى أحضان «داعش» وجبهة النصرة المدعومة من تنظيم القاعدة، ما يجعلهما الخيار الوحيد أمام غالبية أفراد الشعب المعارضين للأسد. وبطبيعة الحال، سيساعد هذا الأسد الذي يحتاج إلى استمرار وجود تهديد «داعش» لتبرير استمرار وجود نظامه.
ثالثًا: من شأن الوجود الروسي الجديد داخل سوريا تعزيز إيران. وليس من قبيل المصادفة أن تنقل روسيا قواتها إلى داخل سوريا بعد أسابيع قليلة من زيارة قائد ميليشيا «فيلق القدس» الإيرانية، قاسم سليماني، موسكو. الواضح أن كلا الجانبين يستفيد من هذا الوضع. بالنسبة لروسيا، تفوز بمعقل دائم داخل الشرق الأوسط، مع تمتّعها باستغلال قاعدة جوية ضخمة وميناء على ساحل البحر المتوسط يمكنها منه نشر قواتها وتحدّي الولايات المتحدة وحلفائنا. أما إيران فتحصل على أسلحة، وبناء تحالف جديد للتصدي للنفوذ الأميركي، يتألّف من روسيا وإيران والعراق وحزب الله اللبناني. ويعد هذا بمثابة كارثة للمصالح الأميركية.
رابعًا: يبعث التدخل الروسي برسالة خطيرة بخصوص الضعف الأميركي. كان أوباما قد أعلن الحرب ضد «داعش» ووعد بتدمير هذه الشبكة الإرهابية. والآن، يثير الروس انطباعًا بأننا نخسر هذه الحرب وأن روسيا تتدخّل لإنقاذ الموقف. إن حملتنا العسكرية الواهنة هي التي خلقت الفراغ الذي يملأه الروس الآن. وقد يخلف ضعفنا في سوريا تداعيات تمتد لما وراء المنطقة. الآن، يملك بوتين قاعدة جوية تضع المقاتلات الروسية النفّاثة على بعد خمس دقائق من تركيا، حليف بـ«الناتو». ويمكن أن يشعر خصوم آخرون لواشنطن، مثل الصين وكوريا الشمالية، بالجرأة تجاه محاولة اختبار عزيمتنا.
خامسًا: تشير حملة القصف الروسية إلى أن الولايات المتحدة حليف يتعذّر الاعتماد عليه. عندما تحذر روسيا الولايات المتحدة حيال ضرورة أن «تبتعد عن الطريق» بينما تتولّى ضرب قوات قمنا بتجنيدها وتدريبها على القتال ضد «داعش»، ونرضخ نحن لذلك، فإن الآخرين المعتمدين على الضمانات الأمنية الأميركية يفقدون الثقة بنا.
إن الدعم أو التساهل حيال النشاطات الروسية يعززان الاعتقاد المتنامي داخل المنطقة بأننا متحالفون مع روسيا وإيران والأسد وحزب الله والميليشيات العراقية الشيعية ضد حلفائنا التقليديين. ومع ذلك، يقول أوباما إنه لا ينبغي أن نقلق حيال هذا الأمر، ويصرّ على أن بوتين يتصرّف من منطلق «الضعف»، وأنه يلقي نفسه في «مستنقع» يشبه ما واجهه الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979.
المقصود هنا أن التدخّل الروسي في سوريا يشكّل كارثة جيواستراتيجية للولايات المتحدة - وهذا هو سرّ قلقنا.
* خدمة «واشنطن بوست»