محمد بن حسين الدوسري
TT

الأسطورة بين فهم حقيقة «داعش» ومصطلح «الجهاد»

يكاد يكون التطرق لهذه اللفظة (داعش) منفرًا، وذلك للسيل المتواصل الذي يقذف بتلك التقارير والكتابات لجميع المستويات التي تخط بقلم أو تحبس أنفاس صورة ثابتة أو متحركة، وكلُ كتابةٍ أو تقريرٍ قد يلامس شيئًا من حقيقة تلك اللفظة، بيد أن بعض تلك الملامسة تجعل تلك اللفظة موغلةً في الغموض واتساع الهوة بين واقع تلك اللفظة ومفهومها وما تحمله من حقائق ومعان، وبين تلك الملامسة وبعض من تلك الملامسات توغل في بيان معانٍ محيطة بتلك اللفظة تجعل من أصل تلك الكتابة حافزًا وداعمًا لما لم ترم إليه تلك الكتابة، لأن من تصدى الآن لتصنيف كتاب مختصر أو مطول لم يكن له موقع، ولا عليه معول، وإنما ينبغي الاهتمام بتنقيح المواضع المقفلة، وتفصيل الأمور المجملة، وسلوك الطريق التي هي في الأكثر مهملة. وحيث إن هذه اللفظة (داعش) وما يتخللها من وقائع لهي (من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها - لأنها تتسم - بسفك الدم الحرام بغير حله). وكي يتم فهم هذه اللفظة الأسطورة، فإن هناك ثلاثة أسئلة «هي التي تخطر ببال الإنسان العادي حين يجد نفسه إزاء الأساطير: كيف ينبغي أن تفهم؟ ما معناها؟ وكيف حدثت؟ وهذا يُرسخ عمق الاحتياج لفهم ما يدور في الواقع من أساطير أصبحت وسائل نشرها تكاد تكون هي الوقود لاستمرارية وتجذر تلك الأساطير التي تُحيط بواقعنا المعاصر. وتلك الأساطير هي «داعش» وما يدور حولها من مفاهيم لـ«الجهاد».
إن ما حداني للكتابة عن الأسطورة بين فهم حقيقة «داعش» واصطلاح الجهاد هو ذلك القتل المستعر لدى تلك المجاميع البشرية في الرقة والموصل وما تسيطر عليه الخلافة المزعومة (داعش) وما يحدث وحدث في نيجيريا من جماعة بوكو حرام المتشددة التي قتلت نحو 150 شخصًا في ولاية بورنو شمال شرقي البلاد وكذلك اقتحم المسلحون قرية كوكاوا بالقرب من بحيرة تشاد مؤخرا وقتلوا 97 شخصًا بينهم نساء وأطفال، وقبل هذا قتل مسلحون 48 رجلاً بعد انتهائهم من الصلاة في قريتين بالقرب من بلدة مونغونو، وهذا القتل ليس محصورًا في نيجيريا بل هو متعمق لدى «داعش»، وآخره قتل رجال الأمن السعوديين في المنطقة الشمالية، وقتل غرٌ صغير - لا يعلم معنى «الجهاد» اصطلاحًا ولا لغة - ابن عمه من رجال الأمن. إن الترابط بين تلك الأسطورة التي تم خلقها وإيجادها خلال سنوات معدودة وهي «داعش» و«القاعدة» ومصطلح الجهاد لهو طريق من طرق فهم كيفية تكوين المسار المادي والواقعي لتشكيل إرهاب مروع يجعل تلك الدماء التي تنتثر على أراض عدة في جميع القارات الخمس دون أدني أسفٍ أو ندم، بل ترتفع على محيا من يرتكب تلك الخطايا الفرح والسرور. وذلك متكون من تشرب الفكر الجهادي «الذي يقوم على أسس وحقائق كما يتصورها ذلك المكون، وتلك الأسس هي الولاء والبراء ومفهوم التوحيد والشرك والمكفرات العشر وضوابطها وتحقيق الحاكمية». وجل تلك الأسس تدور في فلك إقامة «الخلافة الإسلامية» التي سعت وتسعى لها جميع التيارات والمكونات الإسلامية سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعات. وإن الأساطير التي ترسخت في المجتمعات عبر العصور في التاريخ الإسلامي لهي دليل على أن ذلك العقل الجمعي العام (على الأغلب) يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتلك القدسية لتلك الأساطير مما يجعله يسير على خطاها في فهمه لعموم أموره الدينية. ولو أخذنا عينة عشوائية من مصادر التاريخ لوجدنا تلك الأساطير تؤسس للقدسية والطهارة لجانب مهم في تكوين الشخصية للفرد في فهمه لمبادئ الإسلام، كما ورد في القصة المروية عن الشيخ سعد الدين التفتازاني في «شذرات الذهب».
هذه الحكاية الأسطورية، وأمثالها كثير جدًا، هي في الحقيقة ما يولد الإيمان الطهوري الشكلي وذلك الالتزام السطحي الموهم لكل فضيلة لدى الخط والمسار الإسلامي منذ القدم، وفيما يخص موضوع الجهاد فإن كرامات الأولياء التي قررها عبد الله عزام في كتابه «آيات الرحمن في جهاد الأفغان» الذي كان الوقود الأكبر في خروج مجتمعات بأكملها إلى نصرة هذا التيار الجهادي خلال الثمانينات الميلادية، وهذا الخروج تمثل في خروجٍ إما أن يكون جسديًا أو ماليًا أو بالحشد والتجنيد وإثارة شباب غر لما يعرف معنى تأويل الجهاد بعدُ!!
ولا شك أن هناك عمقًا استخباراتيًا في تشكيل وتكوين أسطورة «داعش» وهذا العمق قد يكون دوليًا ومتشكلاً من عدة دول، وهذا طريق إثباته بقرائن كثيرة تحدث عنها المحللون السياسيون والدينيون والاجتماعيون، بيد أن تلك الأسطورة الدولية استخدمت فكرًا يتلقى عنه المريدون الغارقون في عشق الأسطورة (داعش)، وهذا الفكر هو فكر ديني يستمد أصوله ومبادئه من خلال أطياف فكر موجود ومنتشر من خلال تأصيل وتقعيد وتأسيس أصحاب الطهورية الإيمانية الدينية التوحيدية، وهذه حقيقة لا بد من لمسها وتوضيح الأخطاء التي يتخللها ذلك الفكر وذلك حتى نحمي هذا الوطن من تلك الأساطير المخابراتية. وإن البحث في أسباب تجنيد الشباب الغر الذي لا يملك أي تجربة ولا أي فهم لنصوص الشرع أو النظام أو الفلسفة يُحتم على كل فاعل في مجتمعنا أن ينظر بعين فاحصة تصبو إلى ردم تلك الهوة في معرفة الأسباب الحقيقية لهذا القتل المستعر المتبنى من قبل هذا الشباب الغر، وتبني برامج حقيقية لإخراج حقيقة ذلك الفكر الديني المتبنى من قبل أسطورة «داعش» وتفكيكه وبيان وتوضيح مخالفته ومناقضته لجميع أسس ومبادئ وأصول ومقاصد الشريعة، فما لم يتم ذلك فإن ذلك القتل المستعر وتبني فكر أسطورة «داعش» لن يتوقف.