ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

رسالة الصحافية الروسية

«مرحبا.. أنا زميلتك من روسيا.. من التلفزيون الوطني الروسي»..
كان هذا المدخل كافيًا لأحدق طويلاً في الرسالة الإلكترونية التي وصلتني من صحافية روسية تريد أن تأتي إلى لبنان لتنجز وثائقيًا عن اللاجئين السوريين كما ذكرت في رسالتها.
«زميلتي في القناة الروسية»..
رنّت هذه الكلمة في رأسي أكثر من مرة وأنا أتابع أمامي على المواقع الإلكترونية صورًا كثيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسيلاً من الأخبار حول مغامرته العسكرية الجديدة في سوريا لإنقاذ حليفه الطاغية الصغير بشار الأسد.. شعرت أن هذه الزمالة المزعومة التي أعلنتها في وجهي الصحافية التي تعمل في قناة حكومية تأتمر بقرارات الكرملين تريد توريطي بما لم أرغب به سابقًا ولا أرغب به اليوم حتمًا.
لماذا تريد هذه الصحافية أن تأتي إلى لبنان وتعد تقريرًا عن اللاجئين؟ هل أرسلها بوتين شخصيًا؟
لماذا تريد أن تعمل معي هذه الصحافية؟؟ هل هو تعاطف مع الهاربين من الموت أم هو رغبة في التأكيد على أن اللاجئين هربوا من «داعش» وأن الحرب التي تخوضها روسيا في سوريا الآن هي حرب مقدسة كما أعلنت الكنيسة الروسية؟
ومن أعطاها اسمي وبريدي؟؟ وكيف ولماذا؟ وأسئلة كثيرة أخرى..
لم أستطع منع نفسي من الاسترسال وتحميل رسالة محدودة من صحافية لا أعرفها ولا تعرفني هذا الكم من التحليلات والهواجس المؤامراتية ربما. ولكن لماذا لا أسترسل في الهذيان هذا بعد أن فرضت موسكو وطهران معادلة أن الأسد جزء من الحل وأنه قد يبقى في المرحلة الانتقالية..
ألم يكن الاعتقاد، مجرد الاعتقاد، بإمكانية بقاء الأسد كل هذا السنوات ضربًا من الجنون وأن الواقعية تقتضي بأنه حتمًا سيرحل في الأسابيع الأولى من الثورة السورية؟ ألم يكن التحليل الواقعي يفترض أن موت متظاهرين ومعتقلين تحت التعذيب سيحرك العالم وأن استعمال أسلحة محرمة لن يمر ولن يتحمله الضمير العالمي؟
ما كنا نعتقده ضربًا من الهذيان، أي أن يموت آلاف السوريين ولا يتحرك أحد، بات هو الواقع ولا شيء غيره. وها نحن اليوم يُطلب منا أن نكف عن الهذيان وأن نكون واقعيين ونتقبل فكرة أن قاتلاً ومجرمًا كبشار الأسد هو جزء من الحل وأن المشكلة هي حصرًا إرهاب حفنة من مجانين «داعش»..
ما هو الواقع وما هو الهذيان والحال هذا؟
أليس هذيانًا أن أولى الضربات العسكرية الروسية لم تصب «داعش»؟ وطبعًا لم تصب النظام، بل أودت بمدنيين من حمص. والحال أن مقولة أن يكون الأسد جزءًا من المرحلة الانتقالية وحدها تقف عند حدود توازن المرء وعند قدرته على مخاطبة نفسه بهذا القدر من الاختلال بميزان الأخلاق والواقع، وهذا وحده كاف كي يعتقد المرء أن العالم لا يمكن أن يستقيم وأن يتعايش مع هذا القدر من الاختلال الذي أصاب قيمه..
هل لنا أن نتخيل مستقبلاً لسوريا لبشار الأسد مكان فيه؟؟؟
أنا شخصيًا لا أحتمل مجرد تخيل هذه الحقيقة، ولا حاجة للقول كم من السوريين لا يتحمل الفكرة نفسها. أما العالم فهو متأرجح في مواقفه رغم هدير طائرات السوخوي فوق السماء السورية..
قلبت في رأسي صورة متخيلة لهذه الصحافية التي فاجأتني برسالتها في هذا التوقيت بالذات، ثم لجأت إلى «غوغل» عساني أعثر على ضالتي وأجدها وربما أجد في وجهها ملامح بوتين الذي شمّر عن سواعده التي لم تهدأ بعد من ضرب أوكرانيا وشرع في الدفاع عن قاتل السوريين..
عثرت على صورة لصاحبة الاسم، ربما هي غيرها، لكنني لم أتمكن من مقاومة ميلي إلى رؤية بوتين في وجهها..
نعم، الأرجح أن ما أقوله هذيان لكن هل في بقاء الأسد واقعية؟

[email protected]