سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

خيبة أوكرانيا وصدمتها

استمع إلى المقالة

قبل وصوله اجتماع حلف الناتو، علّق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تغريدات له على تطبيق «تويتر» بأنه كان يتوقع أن تُتخذ على الأقل الخطوات الأولية لضم أوكرانيا، وليس بالضرورة الحصول على العضوية الكاملة! والأكثر من ذلك أنه قال يبدو أن موضوع الدعوة التي كانت حماسية قبل ذلك لم تكن صادقة، وأضاف: «إنني أعتقد أن الناتو سيستخدمها ورقة للتفاوض مع الروس لاحقاً!!». فهل أدرك زيلينسكي الصورة الحقيقية؟

غالبية التحليلات العسكرية اتفقت أنه لن تكون هناك معركة حاسمة في أوروبا بين الروس والأوكرانيين تنهي الحرب التي بدأت قبل عام، فلا الجيش الأوكراني قادر على القضاء على الجيش الروسي وطرده من المناطق التي استولى عليها، ولا الجيش الروسي سيستخدم أي سلاح نووي لإنهاء الصراع، لذا سيستمر الحال على ما هو عليه بدعم أوروبي وأميركي لأوكرانيا وتكتفي روسيا بالدفاع عن الأقاليم الأربعة التي ضمتها.

الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية بات عليها أن تحدد موقفها من هذا الصراع بناء على مصالحها هي وأهدافها وقدراتها، فهل ستستمر بتقديم الدعم للأوكرانيين وتحمل تبعات هذا الوضع على اقتصاداتها؟

هل ستكتفي بما تم استنزافه من الروس؟ هل خسائر روسيا البشرية والعتادية كافية لإضعاف جيشها وتركه غير قادر على تهديد أي دولة أوروبية في ما بعد؟ هل الدول الأوروبية باتت في حاجة ماسة للولايات المتحدة أكثر واعتمادها عليها بات أمراً محسوماً؟ وهل الأوكرانيون قادرون على الصمود فترة أطول وتكبيد الروس خسائر أكثر؟

أما في ما خص استعادة ما احتله الروس من أراضٍ أوكرانية، فلا يبدو هذا الهدف قريباً أبداً بشهادة جميع المحللين، رغم وعود زيلينسكي المستمرة بذلك، باعتبار أنه لا قدرة لأوكرانيا على ذلك بعد الخسائر الفادحة التي تكبدها جيشها، ولا روسيا ستسمح بعد كل ما قدمته أن تعود صفر اليدين.

أما الهدف الذي تحركت أوكرانيا بناء عليه، وهو الانضمام للناتو، فلم يعد مطروحاً في الوقت الراهن! فمن الواضح أن الهدف الحقيقي هو أولاً وأخيراً إنهاك روسيا واستنزافها، وكما يبدو أنه هدف أميركي آخر لإنهاك أوروبا أيضاً! وكل ما من شأنه أن يصب في تلبية هذين الهدفين والوصول إلى أكبر نسبة لتحقيقهما هو ما سيحدد مجرى الصراع.

ولطالما يؤكد زيلينسكي أن بلده قادر على الاستمرار، فإن الدعم الأوروبي والأميركي سيستمر «كأداة» لتحقيق أهداف الناتو، إنما ليس بصفته دولة «حليفة» أو كعضو.

ففي الاجتماع الأخير تم رفض عضوية أوكرانيا في الحلف بكل وضوح، وقيل إنها ليست مستعدة الآن للانضمام إليه، وقيل لزيلينسكي بوضوح إن «الناتو لن يدخل في حرب مباشرة مع الروس»، ما عكس خيبة أمل زيلينسكي، إذ كانت واضحة عليه وهو يقف وحيداً في الصورة التي جمعت رؤساء الدول الأعضاء.

هذا الجواب أو الرد على طلب أوكرانيا لم يكن كذلك قبل عام، بل كان هناك تحفيز دائم لها بأن تقديم طلب الانضمام يجري على قدم وساق، فصدّق زيلينسكي أنها رغبة حقيقية من الحلف، ولم يذكر حينها أن أوكرانيا ليست مستعدة، الآن فقط طرحت الاستحقاقات المطلوبة للانضمام وأن أوكرانيا تحتاج إلى مزيد من الوقت لاستكمالها!

كتب زيلينسكي هذه الاتهامات قبل وصوله للاجتماع لعلمه أن طلبه سيرفض، وحين وصل وجد أن الاستياء عمّ الحضور حتى إن الرئيس بادين قال إن أوكرانيا غير مستعدة لتكون عضواً من حيث استحقاقات النظام الديمقراطي والسوق الحرة!! أي أنها غير مستعدة سياسياً واقتصادياً لذلك.

أما الصدمة الثانية فهي رد وزير الدفاع البريطاني على نظيره الأوكراني حين طلب الأخير منه شحنة أسلحة، «بأن بريطانيا ليست متجراً لـ(أمازون)، إنك تطلب ذخيرة تعتبر من مخزوننا الاستراتيجي، فقليل من الامتنان على ما قدمته بريطانيا لكم!!».

تغيرت المواقف، وتغيرت النبرة، وتغيرت الاتجاهات، فهل أدرك زيلينسكي الحقيقة الآن؟

من الواضح أن الحماس الذي كان يغلف الدعم الأوروبي لأوكرانيا بدأ يخفت، وأن الكلفة بدأت ترتفع، وأن مدة هذه الحرب طالت أكثر من المتوقع، كما شعر الأوروبيون بأن زيلينسكي شخصياً لا يريد للحرب أن تنتهي، فهو الآخر مستفيد منها.

في نهاية الاجتماع، وعدت فرنسا بتقديم شحنة صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا، ووعدت ألمانيا بدفاعات جوية ودبابات، أي مزيد من الأسلحة، ووعدت إدارة بايدن بتقديم الدعم الذي يماثل الدعم الأوروبي، ما يعني أن أوكرانيا لن تكون عضواً في الناتو طالما هي ما زالت في حرب مع روسيا، وأن الصراع سيستمر من دون أن يحسم... وعلى ما يبدو هذا هو المطلوب!!