روجر كوهين
كاتب, نيويورك تايمز
TT

عندما انقلبت السياسة رأسًا على عقب

لا تبدو هناك الكثير من عوامل الربط بين جيرمي كوربين، الذي ظهر من العدم ليصبح المرشح المفضل لقيادة حزب العمال البريطاني، ودونالد ترامب الجمهوري الذي أثار القدر ذاته من الدهشة بتصدره السباق على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
يعد كوربين يساريًا راديكاليًا يتسم بالهدوء والنحافة والبخل، ويبدي عداءً تجاه المال واللحوم والحروب، بينما يؤيد تأميم المصارف. كما أنه يحمل بداخله شكوكًا عميقة، على أفضل تقدير، تجاه أميركا. في المقابل، نجد أن ترامب رجل أعمال ضخم الجثة، ومرتفع الصوت وواثق بنفسه، ويبدي مناصرته للمال والسوق، ويرغب في «جعل أميركا عظيمة مجددًا» عبر إطلاق العنان لروحها المغامرة في مجال الأعمال والمال وبث روح ملتهبة في الخطاب السياسي من جديد بعد أن كبحته محاولات مهادنة الرأي العام. وقد تحدث بصورة إيجابية عن جون بولتون، صقر صقور المحافظين الجدد بين مسؤولي السياسة الخارجية من الجمهوريين.
يُذكر أن روبرت ميردوخ أعرب عن اعتقاده أخيرا بأن كوربين من المحتمل أن يفوز في التنافس على زعامة حزب العمال لسبب واحد، حيث قال في رسالة عبر موقع «تويتر»: «يبدو كوربين الفائز المحتمل بصورة متزايدة داخل حزب العمال، لأنه يبدو المرشح الوحيد الذي يؤمن بأي شيء، بغض النظر عما إذا كان صوابًا أم خطأ». ومن المقرر إعلان النتيجة النهائية في 12 سبتمبر (أيلول) (الانتخابات في بريطانيا لا تمتد لأكثر من عام، مثلما الحال بالولايات المتحدة).
ويعكس هذا السبب المذكور شعورًا كبيرًا بالسخط، ذلك أن الناس في بريطانيا أصبحت لديهم قناعة بأن النظام فاسد. فاسد لأنه يحابي بالغي الثراء، وفاسد لأنه يفاقم غياب الفجوة بين أبناء المجتمع الواحد، وفاسد لأنه يخفي زيادات ضخمة في تكاليف المعيشة، وفاسد لأنه يعمد لشراء الانتخابات، وفاسد لأنه أرجأ التقاعد، وفاسد لأنه جرد المعاشات من قيمتها، وفاسد لأنه يصدر الوظائف، وفاسد لأنه يخرب مبدأ تكافؤ الفرص، وفاسد لأنه يضر بالطبقة المتوسطة والأقليات والفقراء. هناك غضب واسع، ويبحث الناس عن شخص يعبر عنهم، ومن الأفضل أن يأتي هذا التعبير في عبارات واضحة موجزة.
إن هذا هو الغضب ذاته، في الكثير من جوانبه، الذي أفرز حكومة سيريزا في اليونان وأدى لصعود «الجبهة الوطنية» اليمينية في فرنسا. ويمكن أن نضم للقائمة كوربين وترامب، وبالطبع السيناتور بيرني ساندرز من فيرمونت.
وقد وصف البعض كوربين بأنه شخصية جذابة في عالم سئم كل ما هو قديم. والملاحظ بالفعل أنه يمثل عكس ما رمز إليه توني بلير، وهو عملية التحول التي تعرض لها حزب العمال الجديد من جانب تيار الوسط، ومكّنت بلير من الفوز بانتخابات تلو الأخرى، وسمحت كذلك لبيتر ماندلسون، المعلم الروحي لحزب العمال الجديد، بإعلان أنه يشعر «بارتياح بالغ حيال حشد أناس لثروات هائلة»، أما كوربين، فيرغب في العودة إلى الاشتراكية، وكذلك الحال مع ساندرز، الاشتراكي الذي يعيش في أميركا ويجتذب أعدادًا ضخمة من المؤيدين.
ومثلما كتب زميلي جيسون هورويتز عن ساندرز، أن «مزاج ساندرز الحاد ووضعه كشخص من خارج المنظومة القائمة وارتيابه حيال كل ما يبدو (جيدًا)، تعد جميعها جزءًا من سر اجتذاب الناس إليه».
على كلا جانبي الأطلسي، أصبح واضحًا أن المزاج الحاد بات من الخصال الجيدة سياسيًا، وكذلك الحديث الصريح.
من ناحيته، يرغب ساندرز في توسيع نطاق الأمن الاجتماعي، ونقل الولايات المتحدة لنظام الرعاية الصحية الوطنية التي تتكفل بها الحكومة بمفردها على غرار الوضع في أوروبا، بجانب رغبته في الاستثمار بشدة في إصلاح البنية التحتية الأميركية المتهالكة، وجعل التعليم بالكليات العامة مجانًا، والتخلص من ظاهرة الأجور بالغة الضآلة للعمال، وفرض ضرائب على التداول في «وول ستريت»، وإنهاء الحروب التي تخوضها أميركا، وتفكيك المصارف بالغة الضخامة، التي يمثل انهيارها خطرًا على اقتصاد البلاد.
في الواقع، تتسم هذه الرسالة بالأهمية، وتعود الأصداء التي تتركها لأنها تعكس الشعور الراهن بعدم الارتياح. وليس بإمكان هيلاري كلينتون تجاهل ذلك.
والواضح أن ترامب في آرائه لا يشطح بخياله بعيدًا، ذلك أن قاعدة تأييده واسعة، الأمر الذي يمكن تفسيره برغبة أميركا الدائمة فيما هو جديد. وفي الوقت الحاضر، يمثل ترامب هذا الجديد المرغوب. والملاحظ أنه يتصدر استطلاعات الرأي بين الجمهوريين، خصوصا في أوساط النساء، رغم ما يبديه حيالهم من ازدراء، وكذلك المسيحيون الإنجيليون وأصحاب الشهادات الجامعية، وهو جمهور غير متوقع بالنظر لرسائله الشعبوية المناهضة للهجرة.
ومع ذلك، قد يكون كوربين الوحيد الذي يحقق مكاسب فعلية، فمن المحتمل أن يصبح الزعيم القادم لحزب العمال، الأمر الذي سيكون بمثابة كارثة.
في الواقع، لا يحظى كوربين بتأييد بين أعضاء البرلمان من حزب العمال، بجانب افتقاره إلى أي خبرة بمجال إدارة أي شيء. كما أنه وصف حماس وحزب الله بـ«أصدقائنا» (لكن يقول إنه أُسيء فهمه). أيضًا، يرغب كوربين في خروج بريطانيا من حلف «الناتو»، ولديه نظرة أوروبية يسارية تجاه أميركا باعتبارها منبع مشكلات العالم. لذا فإنه حال اختياره، قد يتفكك حزب العمال، وقطعًا لن يفوز في أي انتخابات.
ومع ذلك، لا يبدو أن صيحة الهوس بكوربين في تراجع. وعلى ما يبدو، فإننا على أعتاب موسم جديد بعالم السياسة. وأصبح من الممكن أن يحدث أي شيء الآن على أي من جانبي الأطلسي.
* خدمة: {نيويورك تايمز}