علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

في البحث عن ضحكة

الطبيب الفيلسوف العالم ابن رشد نقل أرسطو إلى اللغة العربية، وبذلك تمكنت أوروبا من التعرف على أفكاره بعد ترجمتها عن العربية. في ذلك الوقت الذي ازدهرت فيه الحضارة العربية في الأندلس، كان المثقف الإنجليزي يلتحق بالجامعة في قرطبة لدراسة اللغة العربية، كما كانوا يلتحقون بحرس الأمراء العرب لدراسة الفروسية. أثناء ترجمته لأرسطو لا بد أن كلمة واحدة حيرته طويلا وهي «الكوميديا»، فلما عجز عن الابتعاد عنها ترجمها «القوموذيا» وماتت الكلمة وأحمد الله على ذلك، وعاشت كلمة الكوميديا في كل اللغات. ولكن العقل العربي بحثا عن كلمة مكافئة، نحت كلمة جديدة غريبة عن تراثه وهي «الفكاهة» في اشتقاق مباشر من الفاكهة. وكان موفقا في ذلك كل التوفيق. ولم تختف كلمة الكوميديا، عاشت في ود ووئام مع زميلتها الفكاهة.
كل المصطلحات في المسرح ورثناها عن الفرنسيين والإيطاليين، ولكن كانت لنا إسهامات جديرة بالإعجاب. ومنها كلمة «المخرج» وكلمة «المتفرج» بينما التراث الغربي كله يعرف الـ«Director» أي المدير، ولا يعرف التراث الغربي المتفرجين بل الـ«Audience» المشتقة من السماع. كما يعرف «The spectators» ونترجمها «النظارة» المستخدمة في الترجمات القديمة إلى العربية «وانصرف النظارة من دار الخيالة». إن كلمة المتفرج كلمة عبقرية تشير بوضوح إلى ما نريده من المسرح ومن الكوميديا بالتحديد. نحن نريد الفرج، نحن مسجونون طوال الأيام داخل أنفسنا وفي حاجة إلى صدور قرار «بالإفراج» عنا. العرض الفني هنا والكوميديا بالتحديد تلعب دور القاضي. وهو قاض من طراز فريد، لا يحكم على أحد بالسجن أو بعقوبة أخرى. هو يحكم فقط بالإفراج عنك.
وليس الضحك هو ما يصنع هذا الإفراج بل الفرجة. وهنا نتوقف لحظة لنقول إن الضحك ليس هدفا للكوميديا، بل نتاج جانبي لها. لا تنشغل يا عزيزي مؤلف الفكاهة الشاب بالبحث عن الضحك فقد يوقعك ذلك في فخ الاستظراف. الضمان الوحيد للوصول إلى تفجير الضحك في قاعة المسرح هو أن تكون جادا تمام الجد في عرض مشكلتك على المتفرج. واسمح لي أن ألفت نظرك إلى شيء غريب، العقل والبلاهة ينتجان نفس السلعة: الضحك.. وعليك أن تختار بينهما. من الطبيعي أنك ستضحك للتصرفات والكلمات البلهاء من بعض الأشخاص، كما ستضحك أيضا للتعليقات الساخرة يطلقها أصحاب العقول الكبيرة.
أريد أن أذكّر مؤلفي وممثلي الفكاهة الشبان، لا تنسوا أن بضاعتكم جاءت من الفاكهة.. وإلى اللقاء على طريق الفكاهة.. حا تروحوا مني فين؟