كاثرين ميلر
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

رجل أعمال يرغب في إدارة أميركا

استمع إلى المقالة

في كلمة ألقاها مساء جمعة ماضية قريبة في آيوا خلال حفل عشاء، قال فيفيك راماسوامي: «إننا نعيش مثل مجموعة من الخفافيش العمياء ـ هكذا نعيش نحن البشر، ونحن أبناء الألفية، ونحن الأميركيين، لم يعد بمقدورنا رؤية موطئ أقدامنا».

ترسل الخفافيش إشارات سونار، التي ترتد لها من نقاط ثابتة وتمكن هذه الحيوانات الثديية من استكشاف طريقها. وأضاف راماسوامي: «نحن أيضاً نفعل ذلك، نطلق إشاراتنا التي ترتد لنا بعد أن لمست شيئاً حقيقياً وواقعياً ـ مثل الأسرة. (الوالدان اللذان جاءا بي إلى الدنيا، والدي ووالدتي، والطفلان اللذان جئت بهما إلى هذا العالم). هذا أمر حقيقي. هذا أمر واقعي. وهو يعني شيئا لي».

في مجملها، جاءت الرؤية التي طرحها راماسوامي أشد كثافة بكثير، وأكثر قتامة للحياة الأميركية عن النسخة البراقة التي يحاول التيار الموالي لترمب وأفكاره طرحها.

وقال راماسوامي، متحدثاً عن أبناء جيل الألفية: «إننا متعطشون لقضية، متعطشون لهدف ومعنى وهوية. إننا في لحظة من تاريخنا الوطني اختفت فيها الأشياء التي اعتادت ملء هذا الفراغ. أشياء مثل الإيمان والوطنية والعمل الجاد والأسرة». وقال إنه بدلاً من ذلك، حل «السم» و«طوائف علمانية».

هذا ما يبدو عليه مرشح مؤيد للرأسمالية داخل الحزب الجمهوري في حقبة ما بعد ترمب، التي انتقل محور التركيز فيها إلى خلق هوية وطنية في وجه حالة من الخواء الروحي.

وفي اليوم التالي، خلال فعالية أخرى، استمر الحديث عن أزمة الهوية الأميركية. وقال راماسوامي: «الحياة أكبر من مجرد مرور للوقت دونما هدف... أنت أكثر من مجرد السمات الجينية التي ورثتها يوم ولدت. أنت هو أنت».

من الناحية الفنية، يقف راماسوامي باعتباره مرشحاً من عالم المال والأعمال، لكنه في واقع الأمر ليس كذلك. إنه مسؤول تنفيذي ينتمي لصفوة عالم الأعمال، لكن في صورة محارب ثقافي. واللافت أن حديث راماسوامي الذي ألقاه في آيوا لم يكن حول تطبيق مبادئ السوق الحرة على الحكومة الفيدرالية، أو على الأقل ليس على النحو الذي ربما كنت لتتوقعه من مرشح جمهوري من مجال الأعمال قبل حقبة ترمب. وفي الوقت ذاته، لم يدع راماسوامي إلى الشعبوية الاقتصادية، فهو لم يتهم الشركات بتمزيق المواطنين أشلاءً والتهامهم، ولم يتحدث عن مؤامرة خفية تشارك في الشركات التجارية الكبرى لتعزيز أجندات ليبرالية.

نظرياً، يرتبط راماسوامي بقوة بمجال الأعمال، فقد بدأ استثماراته بمجال الصيدلة وأسس شركة لصناعة الأدوية حرصت على استكمال مشروعات دوائية تخلت عنها شركات أخرى، وسعت لطرح الأدوية في الأسواق. عام 2020 في وقت كان رئيساً تنفيذياً للشركة، رفض راماسوامي تأييد حركة «أرواح السود مهمة».

وعام 2021 شارك في كتابة مقال رأي بصحيفة «وول ستريت جورنال» يرى أن منصات التواصل الاجتماعي فرضت الرقابة عندما حظرت حسابات خلال الفترة الفوضوية التي أعقبت السادس من يناير (كانون الثاني) 2021.

ومثلما كتب تشارلز سي. دبليو. كوك، في دورية «ناشيونال ريفيو»، فإن راماسوامي جاء من أجل إغلاق مكتب التحقيقات الفيدرالي، ورفع سن التصويت إلى 25 عاماً، إلا إذا اجتزت اختباراً في التربية المدنية أو خدمت في المؤسسة العسكرية أو عملت بمجال الإسعاف أو المطافئ أو النجدة. وينتمي ما سبق إلى نمط من المقترحات تجري صياغته بهدف إسعاد البعض وإغضاب البعض، لكن لا يجري تنفيذه على أرض الواقع أبداً.

اللافت بخصوص راماسوامي أنه يتحدث في خطبه عن مساعيه لاستعادة هوية أميركية، تتضمن كثيرا من المفاهيم، لكن نادراً ما يطرح أمثلة واقعية للتدليل عليها. وحسب رؤية راماسوامي، تتضمن هذه الهوية السعي نحو التفوق والتميز، الأمر الذي شرحه خلال مقابلة أجريت معه باستخدام تعبيرات تقليدية مبهمة، من عينة تحقيق الناس كامل إمكاناتهم، من دون التقيد بأي عوائق اجتماعية. وأعرب راماسوامي عن اعتقاده أن هذه الروح غائبة عن عالم المال والأعمال.

وقال في إطار حديث دار بيننا: «أعتقد أن جزءاً من هذا الأمر يحمل طابعاً نفسياً، وفي اللحظة الراهنة يشعر الناس وكأنهم مضطرون للاعتذار عن تفوقهم». وأضاف: «كي يحظى المرء بالقبول باعتباره شخصاً لطيفاً، أصبح يتعين على الإنسان الأكثر نجاحاً أن يعتذر عن المنظومة التي دفعت به لهذه المرتبة»... كما وصف «أجندة إقرار المساواة العرقية» بأنها «مثال على منح الأولوية لقيمة مختلفة».

وفي كتابه «ووك إنك»، أعرب راماسوامي عن ضيقه من أمر يثير ضيق كثيرين غيره، ويتعلق بالجهود السطحية لإقرار التنوع التي تبذلها مؤسسات تجارية كبرى لمجرد تجنب التعرض لدعوى قضائية. وفي الكتاب، يرى راماسوامي أن الحل يكمن في الفصل بين السياسة والعمل التجاري.

ومع ذلك، عند إمعان النظر في فكرة الفصل بين السياسة والعمل التجاري، فسرعان ما نكتشف ما تحمله من تعقيد، خاصة أن الاقتصاد يتألف من ملايين الأشخاص الذين يعيشون في إطار عالم أكبر.

جدير بالذكر هنا أنه على مدار العقد الماضي، تحدث كثير من المرشحين الرئاسيين - خاصة غير التقليديين منهم داخل كلا الحزبين - عن وجود خواء في الحياة الأميركية، وتفشي الفساد في طبقة النخبة. وجرى طرح كثير من النظريات المختلفة لتفسير السبب وراء هذا الخواء، ما بين تغييرات تكنولوجية وغياب المساواة والتراجع المؤسسي والشعور بالوحدة، بجانب الهيمنة الكبرى للشركات وخواء السلع المادية. واليوم، بدأت تخفت الرؤية التي تقول إن الأسواق والرأسمالية ستفرضان الصبغة الليبرالية على العالم، وسيسرعان وتيرة بناء أميركا التعددية، المليئة بالاختيارات والخصوصية والاحترام.

* خدمة «نيويورك تايمز»