إدوارد وونغ ومايكل كراولي
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

الهجوم الأوكراني والطريق أمام الدبلوماسية مع روسيا

استمع إلى المقالة

ألقى الهجوم المضاد الذي تعتزم أوكرانيا شنه على روسيا بظلاله على الحديث عن التوصل إلى تسوية تفاوضية محتملة للنزاع، لكن بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين يقولون إن المرحلة التالية من الحرب يمكن أن تخلق زخماً للدبلوماسية.

من غير الواضح كيف سيحدد المسؤولون النجاح في الهجوم المضاد، الذي قد يستمر عدة أشهر، أو كيف يمكن أن تؤثر نتائجه على نهجهم. وتتراوح الآراء على نطاق واسع بين الاستراتيجيين العسكريين بشأن ما إذا كانت أوكرانيا من المرجح لها استعادة أراضيها بعد أكثر من عام من الحرب.

في الوقت الراهن، لم يبدِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي إشارات تدل على رغبته في تقديم تنازلات أو الدخول في حوار هادف.

ويبقى المسؤولون الأميركيون حذرين من أي دعوات إلى وقف فوري لإطلاق النار أو محادثات سلام، ولا سيما تلك الصادرة من الصين. إذ تصر بكين على محاولة الاضطلاع بدور صانع السلام، برغم انحيازها الاستراتيجي الواضح تجاه روسيا. ويزور وزير الخارجية الصيني تشين غانغ عدداً من العواصم الأوروبية لمحاولة تسويق فكرة مفادها أن الصين يمكنها رعاية المفاوضات. وأعرب بعض المسؤولين الأوروبيين الذين اجتمعوا مع تشين عن شكوكهم. وفي واشنطن، التقى وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع نظيريه من بريطانيا وإسبانيا هذا الأسبوع لدعم الالتزامات بالمساعدات العسكرية لأوكرانيا، وبعث برسالة مفادها أن الأولوية لتحقيق المكاسب في ساحة المعركة. قال بلينكن مؤخراً، في مؤتمر صحافي مع جيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني، إن الأوكرانيين لديهم «ما يحتاجون إليه لمواصلة النجاح في استعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا بالقوة على مدى الـ14 شهراً الماضية». وعلى غرار بلينكن، لم يذكر كليفرلي الدبلوماسية مع روسيا على الإطلاق، وركز بدلاً من ذلك على المساعدات العسكرية، قائلاً: «نحن بحاجة إلى الاستمرار في دعمهم، بصرف النظر عما إذا كان هذا الهجوم المقبل سوف يُحقق مكاسب ضخمة في ساحة المعركة، لأنه إلى أن يُسوى هذا الصراع وحله بالنحو الصحيح، فإنه لم ينتهِ بعد». ويقول القادة الأوكرانيون إنهم لن يوافقوا على إجراء محادثات قبل أن يدفعوا القوات الروسية إلى التراجع.

مع ذلك، فإن مساعدي الرئيس جو بايدن يستكشفون المراحل النهائية المحتملة، محاولين تحديد نتيجة يمكن أن تكون مقبولة لكل من أوكرانيا وروسيا إذا بدأت محادثات سلام حقيقية، حسبما يقول المسؤولون الأميركيون. قال النائب آدم سميث من واشنطن، كبير الأعضاء الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة: «أعلم أن مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة يجرون محادثات منتظمة بشأن ما سوف يكون عليه السلام في نهاية المطاف مع نظرائنا الأوكرانيين، ويُجرون في الوقت نفسه محادثات حول كيفية تسليحهم واستعادة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي».

يقول مساعدو بايدن والمسؤولون الأوروبيون إن أفضل أمل لديهم هو تحقيق أوكرانيا لمكاسب كبيرة خلال الهجوم المضاد، ما يمنحها نفوذاً أكبر في أي مفاوضات مقبلة.

لكن أياً كان رأي قادتها، يقول المسؤولون الأميركيون إن معظم الأوكرانيين لا يرغبون في التوصل إلى حل وسط مع المحتلين الروس. ويخشى المسؤولون الأميركيون من أنه لو عانى الجيش الروسي مزيداً من الانتكاسات هذا الصيف، فقد يعتقد بوتين أنه يستطيع الفوز في حرب الاستنزاف.

وفي شهادتها أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، قالت أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية، إنه في حين يعمل بوتين على «تقليص طموحاته في الأمد القريب» في أوكرانيا، فإن فرصة التنازلات الروسية على أي طاولة مفاوضات هذا العام «سوف تكون ضئيلة».

وقال مسؤول أميركي كبير آخر إنه بصرف النظر عن النجاح الذي تحققه أوكرانيا، يمكن للزعيم الروسي أن يأمر ببساطة بتعبئة عسكرية أوسع نطاقاً لإعادة بناء بعض من قوته العسكرية. كما قد يستفيد بوتين أيضاً مع انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2024 في الولايات المتحدة، حيث أصبح الرئيس السابق دونالد ترمب المرشح الجمهوري الأوفر حظاً. ووصف ترمب وكثير من السياسيين الجمهوريين الدعم الأميركي لأوكرانيا بأنه إهدار للموارد ومثير للمخاطر.

سعت الصين إلى لعب دور الوسيط منذ أن كشفت عن مبادرة سلام غامضة في فبراير (شباط) الماضي. وبرغم أن بلينكن وبعض كبار الدبلوماسيين الأوروبيين يقولون إنهم منفتحون على إمكانية اضطلاع الصين بدور مفيد في المستقبل، فإنهم ينتقدون بكين لعدم اعترافها علناً بروسيا كطرف معتدٍ في الحرب. ويصرون على أن أي دولة لا ترغب في ذلك لا يمكنهم الوثوق بها كوسيط نزيه. وكان الرئيس الصيني قد قام بزيارة رسمية إلى موسكو في مارس الماضي، وأعرب عن دعمه المستمر لشراكة بلاده مع روسيا، التي قالت الحكومتان إنها شراكة «لا حدود لها»، قبل غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022. وكان المبعوث الخاص للصين لمبادرة السلام، لي هوي، سفيراً لدى روسيا لمدة 10 سنوات، وحصل على ميدالية تكريم من بوتين.

كما يُشكك المسؤولون الأميركيون والأوروبيون أيضاً في الدعوات إلى إجراء محادثات سلام لا تشمل مطالبة الجيش الروسي بالانسحاب أولاً من الأراضي الأوكرانية، وهو موقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

ولم تتخذ الصين موقفاً صريحاً بشأن سلامة أراضي أوكرانيا، ويقول مسؤولون أميركيون إن الصين وروسيا قد تستخدمان ذريعة المحادثات لتجميد خطوط القتال الأمامية وترسيخ المكاسب الروسية. في شهادتها أمام الكونغرس، قالت هاينز إنه بإمكان بوتين استخدام وقف إطلاق النار لمحاولة استعادة قوته في الوقت الذي «يكسب الوقت لما يأمل أن يكون انحداراً للدعم الغربي لأوكرانيا». وأضافت أنه «قد يكون مستعداً للمطالبة بنصر مؤقت على الأقل على أساس الأراضي التي احتلها تقريباً». قال بلينكن مؤخراً إنه «أمر إيجابي» لما تحدث الرئيس الصيني أخيراً إلى نظيره الأوكراني الشهر الماضي، ولكنه «لا يزال غير متأكد» من أن الصين على استعداد لقبول أن أوكرانيا هي ضحية الاعتداء الروسي. وقالت أنالينا باربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، نفس الأمر تقريباً بصفة مباشرة إلى الوزير تشين في مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء: «الحياد يعني الوقوف إلى جانب المعتدي، ولهذا السبب فإن مبدأنا التوجيهي هو إعلان وقوفنا إلى جانب الضحية».

الحجة الرئيسية التي تدعو إلى دور صيني أكبر في الدبلوماسية هي حقيقة أن الصين هي الشريك الأقوى لروسيا، وأن شي وبوتين يتقاسمان رابطة شخصية. لقد سببت الحرب الروسية اضطرابات جمة للاقتصاد العالمي، ما خلق مشكلات للصين. وقال بلينكن: «من حيث المبدأ، فإنَّ البلدان - وخاصة البلدان ذات التأثير الكبير مثل الصين - إذا كانت على استعداد للعب دور إيجابي في محاولة تحقيق السلام، فسيكون ذلك أمراً جيداً». وقال البيت الأبيض، يوم الخميس الماضي، إن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، تحدث عن أوكرانيا مع وانغ يي، المسؤول الأعلى في السياسة الخارجية الصينية، خلال اجتماع استمر يومين هذا الأسبوع في فيينا.

المناقشة الدائرة في واشنطن بشأن محادثات السلام المحتملة تتسم بالمفارقة وعدم التبلور. وهناك الحجج المتنافسة على أساس نفس النتائج الافتراضية؛ إذا حققت أوكرانيا مكاسب كبيرة، قد يعني ذلك أنه حان الوقت لإجراء المحادثات، كما يقول بعض المسؤولين، أو قد يعني أنه يجب على أوكرانيا إرجاء الدبلوماسية إلى الخلف مع مواصلة القتال.

إذا لم تتمكن أوكرانيا من الاستيلاء على أراضٍ مهمة، ربما يرغب بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين في دفع زيلينسكي نحو تسوية تفاوضية.

* خدمة «نيويورك تايمز»