د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

مزاحٌ يفضح الضغائن

استمع إلى المقالة

سمعت الرئيس الأميركي رونالد ريغان يقول: عجزتُ عن فهم الملحدين في هذا العالم. تراودني رغبة ملحّة في دعوتهم على مأدبة عشاء فاخرة، وغير مسبوقة، ثم أوجه لهم السؤال التالي: هل تتوقعون أن هناك طاهياً خلف هذه الوليمة؟ ثم ضجت القاعة بالضحك. في إشارة منطقية إلى أنه إذا كان خلف روائع الطعام طاهٍ، فلا بد أن يكون خلف بديع الكون خالقٌ.

المزاح منه البريء ومنه المقصود، غير أنه يصبح نوعاً من الجد لدى بعض السياسيين عندما يوجّهونه نحو خصومهم. في الإدارة يُنصح أن يُؤخذ بعض مزاح المسؤولين على محمل الجد باعتباره رسائل مقصودة، أحياناً. هذا لا يعني شخصنة دعابة عابرة عن التأخر في تسليم التقرير أو الانصراف باكراً. المزاح الذكي في جوهره «تكتيك» عفوي يستخدمه القياديون لإيصال رسالة مبطنة، عادة ما يتقبلها الناس أكثر من النقد الجارح.

هناك مزاح يكشف جوانب النفس البشرية. كما رُوي عن رجل أراد أن يحرج أبي الطيب فقال له: «رأيتك من بعيد فظننتك امرأة»، فرد المتنبي بسرعة بديهته: «وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجلاً». وقيل أيضاً إن رئيس وزراء بريطانيا «البدين» تشرشل قال لبرنارد شو النحيف: «من يراك يا شو يظن أن بريطانيا في أزمة غذاء!»، فرد شو: «ومن يراك يعرف السبب!». هذا النوع من الهجوم يرمي إلى التعريض بشخص بعينه وهو ليس مقصدنا. ومن المزاح ما يكشف الحساد. أكثر ما يفضح الحسود ما نستشفه في ثنايا دعابته.

وأخطر أنواع المزاح ما يسمى «الانتقاص الذاتي» وهو أن يتندر المرء على نفسه كجهله باللغة الفرنسية فيقول مثلاً كنت أعتقد «بروليه» علامة تجارية قبل أن أعرف أنها أحد أشهر أصناف الحلوى الفرنسية! حتى الآن الأمر طبيعي، لكن هناك من يستخدم هذا الأسلوب «ليرفع الكلفة»، ويدفع الآخر إلى أن «يُسْقِط تحفظه» فينال منه أكثر أو ينساق نحو الاعتراف بخصوصياته، مثل تندر الأول على ضآلة راتبه فيتحمس الثاني فيعترف بأن راتبه أدنى منه. باختصار وقع فيما يُسمى في علم الإقناع «فخ المعاملة بالمثل».

الهزلُ يُظهرُ ما يُخفيه الجِدّ، كما يقال. ومن المزاح ما يفضح الضغائن الخفية.



عاجل «التحالف»: رصدنا دخول سفينتين قادمتين من ميناء الفجيرة بالإمارات إلى ميناء المكلا