وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

بين بيرول والغيص

كعادتها؛ كانت «وكالة الطاقة الدولية» متشائمة حول نمو الطلب على النفط في الأعوام المقبلة حتى عام 2030.
وخرج مديرها التنفيذي، فاتح بيرول، بتصريحات على قناة «بلومبرغ» حذر فيها «منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)» بأن ارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى ركود اقتصادي وسيؤثر على الطلب.
هذه التصريحات جاءت بالتزامن مع تقرير «الوكالة» حول مستقبل السيارات الكهربائية التي ترى أن نمو الطلب عليها سيستمر وسيؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط بنحو 5 ملايين برميل يومياً حتى عام 2030.
كثيرون لا يعلمون أن التركي فاتح بيرول، المدير التنفيذي لـ«وكالة الطاقة الدولية» في باريس، كان في الأصل يعمل في «أوبك» لسنوات.
والذي يستمع لتصريحاته المتكررة ضد «أوبك» لا يمكن أن يتخيل أنه كانت تربطه بالمنظمة أي صلة. علاقة بيرول بالمنظمة، على كل حال، أفضل نسبياً من علاقته بمن سبقوه؛ من ماريا فان دير هوفن، إلى نوبو تاناكا... وكثيرين غيرهما.
وطبيعي أن يكون هذا التباعد قائماً بين الجهتين، ولكن الغريب أن يصل هذا التباعد إلى تصريحات موجهة بين الطرفين. هيثم الغيص الأمين الحالي لـ«أوبك» لم يترك تصريحات بيرول تمر سدى. الموضوع لا يبدو أنه متعلق بطبيعة العلاقة بين الجهتين؛ بل بواقع السوق ومستقبل أسعار النفط.
لا أريد أن أبدو منحازاً إلى «أوبك»؛ لأني في أعوام سابقة عندما كنت مراسلاً نفطياً كانت المنظمة غير واضحة في رسائلها الإعلامية، ولا يمكن التصديق أنها تفكر في مصلحة السوق. لكن التجربة أكدت لنا أن «أوبك» كانت محقة في توقعاتها أن الطلب على النفط سيظل مرتفعاً رغم كل ما يقال عن نمو السيارات الكهربائية.
والواقع كذلك أثبت أن توقعات «وكالة الطاقة» ليست في صالح العالم؛ لأننا شاهدنا أن نقص الاستثمار في الطاقة أدى إلى أزمة أسعار عندما انقطع معروض روسيا من النفط والغاز عن أوروبا. توقعات الغيص واقعية ومنطقية، وليست من باب الحرص على إبقاء الطلب على النفط عالياً، بل على مصلحة العالم الذي لن يتحمل أزمة أسعار جديدة وإن كنت أظنها قادمة لا محالة.
ومن باب الإنصاف، يجب أن نقدر توقعات «وكالة الطاقة الدولية»؛ لأنها جرس إنذار للدول في «أوبك» التي لم تستطيع تطوير اقتصاداتها والتي لا تزال «تنام في النفط» (أو «في العسل» كما يقولون).
التحول الطاقوي واقع، وازدياد السيارات الكهربائية واقع، وبقاء الطلب على النفط قائماً لعقود واقع. الآن؛ إلى أي واقع يجب أن نستمع؟ فلننظر إلى أسعار النفط حتى مع حجم الاستثمارات الضخم في الطاقة المتجددة، التي لم تساعد العالم في التحول بعيداً عن النفط إلى اليوم، والتي نحتاج لربعها حتى نسد فجوة العرض والطلب على النفط.