علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

الظلم وخراب العمران

هل للتاريخ قوانين أو قواعد يلتزم بها في مسيرته الطويلة؟ هذا هو السؤال الذي دار في ذهن ميكيافيللي (1469 - 1527) وهو يقضي إجازة إجبارية في قريته بعد أن قضت الظروف أن يبتعد عن وظيفته كدبلوماسي. الواقع، أنه لم يكن دبلوماسيًا فقط، بل كتب عددًا من المسرحيات الكوميدية لم تترجم إلى العربية. ليس معنى ذلك أنه كان شخصًا ظريفًا. فكتّاب الكوميديا في الغالب الأعم دمهم ثقيل للغاية. هم جادون ومكتئبون ويلجأون للفكاهة كوسيلة أكيدة لكشف الأخطاء، أخطاء البشر وأخطاء الأنظمة.
بحثًا عن إجابة للسؤال الذي طرحه على نفسه، قرأ كتاب بلني المؤرخ الروماني القديم الذي أرخ فيه لتاريخ الإمبراطورية الرومانية. وخرج من هذه القراءة بقواعد يرى أن التاريخ قد التزم بها. هكذا كتب كتابيه اللذين يتسمان بالقوة والجمال.. «الأمير» و«المحاورات» وهما متاحان بالعربية والإنجليزية - يا رب تقراهم. «الأمير» طبعًا هو الكتاب الأكثر شهرة، ولكني أرى أن «المحاورات» (The discourses) لا يقل عنه جمالاً وعمقًا وأهمية.
في حديثنا الأخير، حدثتك عن نصيحته للأمير «احذر من أن يتعرض أحد لظلم ولا تنتصف له»، المدهش أن كل نصائحه للأمير كان يسوقها إليه في إطار بالغ التهذيب، أما هذه النصيحة، فقد بدأها بكلمة «احذر» وهي كلمة ثقيلة عندما تقال لحاكم. معنى ذلك أنه كان يولي أهمية خاصة لهذه النصيحة. فهل كان يفكر في أن شخصًا مظلومًا لا ينتصف له أحد يشكل خطرًا على الدولة؟ السؤال من عندي أنا؟ والإجابة من عندي أنا أيضًا.. دعني أحكي لك قصة فتاة ظُلمت ولم ينتصف لها أحد حتى الآن.
مريم فتاة مصرية متفوقة في دراستها، دخلت امتحان الثانوية العامة ورسبت بامتياز، فقد حصلت على خمسة أصفار في خمس مواد، وصعقت الفتاة، وطلب والدها إعادة مراجعة أوراق إجاباتها، وهو إجراء مسموح به في مصر بشروط معينة. وفوجئت الفتاة بأن أوراق إجاباتها تخلو من أي كتابة، وأن المكتوب في الأوراق هو الأسئلة فقط. وزير التربية والتعليم في آلية دفاعية سريعة، قال إن هذه الأوراق أوراقها وإن الخط هو خطها. غير أن جهات أخرى جاءت بخبير أخذ يستكتبها ليكتشف أن الخط ليس خطها ثم..... لا شيء.
لنفرض أن الجاني، نعم من المؤكد أن هناك جانيًا أو جناة، قد أفلت بفعلته، فهو بذلك يكون قد وجه ضربة مروعة إلى الحكم في مصر. قد تتصور أنني أبالغ من أجل أن تسرع الحكومة في إنصاف هذه الفتاة.. لا والله، أنا أعرف ماذا يفعل هذا النوع من الظلم في لا وعي الناس، وأعرف كيف تتحول قطرات المياه إلى شلالات، وأعرف كيف يتحرك التاريخ في أحيان كثيرة بفعل أحداث من هذا النوع.
وأقول لكل المستشارين ومفكري الدولة، كل من لا يرى خطرًا في عدم إنصاف هذه الفتاة ومعاقبة الجناة في أسرع وقت، عليه أن يبتعد فورًا عن كل دوائر الحكم والسياسة وأن يعمل في مهنة أخرى.