مارك لاندلر وستيفن كاسل
TT

نائب رئيس الوزراء البريطاني وفضيحة التنمر

كان قد تعهد بتنظيف الحكومة البريطانية بعد شهور من الفضيحة والفوضى في ظل أسلافه. لكن رئيس الوزراء ريشي سوناك خسر الجمعة الماضية وزيراً كبيراً آخر، إذ استقال نائبه دومينيك راب إثر تحقيق كشف أنه مارس التنمر على مرؤوسيه.
كان راب، وهو أحد أكثر الحلفاء السياسيين ولاء لسوناك، قد أنكر منذ فترة طويلة مزاعم السلوك المسيء. لكن التحقيق الذي أجراه محامٍ مستقل تناول ثماني قضايا اتّهم فيها موظفون حكوميون راب (49 عاماً) بإساءة المعاملة. في حالة واحدة على الأقل، وُصف سلوكه بأنه «إساءة استخدام السلطة أو إساءة استخدامها على النحو الذي يوهن أو يهين».
راب هو الوزير الثالث في الحكومة الذي يفقد منصبه خلال ستة أشهر بسبب القضايا الأخلاقية، مما يوضح العقبات التي واجهها سوناك في الوفاء بوعده بقيادة حكومة «تتسم بالنزاهة والاحترافية والمساءلة على كل المستويات».
دارت الأحداث الدرامية حول مصير راب على مدار يومين في مقر الحكومة البريطانية، مما يشير إلى تكتمه منذ البداية على التقرير، الذي زعم يوم الجمعة أنه برّأه إلى حد كبير، وأن سوناك لم يكن خالياً من مخاوفه بشأن التحقيق، الذي تورط في مزاعم تعود إلى سنوات عدة.
في رسالة مكتوبة بحرارة قبل فيها استقالة راب، قال سوناك: «لقد تعهدتم - بحق - بالاستقالة إذا توصل التقرير إلى أي نتائج للتنمر على الإطلاق. لقد وفيتم بوعدكم».
في حين أن خروج راب سوف يساعد سوناك على طي الصفحة بعد موسم من الفضيحة، قال محللون سياسيون إنه كان سيبعث برسالة أقوى إذا أقال رئيس الوزراء نائبه بسرعة، بدلاً من السماح له بالاستقالة.
قال تيم بيل، أستاذ السياسة في جامعة كوين ماري في لندن: «سوف يتعرض للانتقاد لعدم اتخاذه قراراً على الفور، ولعدم قطعه الحبل وعدم إقالته راب. لكنني أعتقد أنه على المدى الطويل، كل ما يهم معظم الناس هو رحيل المتنمر المزعوم».
وصل سوناك إلى السلطة بعد أن تعرض رئيسه السابق بوريس جونسون لسلسلة من الفضائح؛ أبرزها سلسلة من حفلات داونينغ ستريت التي انتهكت قواعد الإغلاق الوبائي. واضطرت ليز تراس، التي خلفت جونسون، إلى مغادرة منصبها بعد أن أتت التخفيضات الضريبية المتدرجة بنتائج عكسية في الأسواق المالية.
يرجع الفضل إلى سوناك في تثبيت استقرار السياسة الاقتصادية لبريطانيا منذ توليه السلطة في أكتوبر (تشرين الأول). ولكنه مر بأوقات عصيبة وهو يقضي على ثقافة السلوك المشكوك في صحتها التي ترسخت تحت حكم جونسون. ولقد استمر هذا التوجه، ويرجع هذا جزئياً إلى إعادة تعيين الكثير من الوزراء، ومن بينهم راب، بعد أن خدموا في حكومة جونسون.
وجد تقرير التحقيق المنشور يوم الجمعة أنه عندما كان راب وزيراً للخارجية تصرف على نحو «مثير للتهديد، بمعنى السلوك العدواني غير المعقول والمتواصل في سياق اجتماع عمل».
وقال التقرير إن راب اشتكى في وزارة العدل إلى المسؤولين عن غياب المعلومات الأساسية، وأشار إلى «عرقلة الموظفين»، ووصف بعض الأعمال بأنها «عديمة الفائدة تماماً» و«بائسة».
مع ذلك، خلصت الوثيقة إلى أن طبيعة هذه الشكاوى في وزارة العدل تجعلها «غير مناسبة كأساس لأي نتائج» بشأن سلوك راب. ولم تجد دليلاً واضحاً على التنمر في الكثير من الحالات الأخرى.
في خطاب استقالته لرئيس الوزراء، لم يدع راب مجالاً للشك في أنه سوف يترك منصبه على مضض. وزعم أن التحقيق «رفض كل الادعاءات الموجهة ضده باستثناء ادعاءين»، وأن النتائج السلبية بشأن سلوكه كانت معيبة.
وكتب قائلاً: «وضع هذا التحقيق سابقة خطيرة في تحديد عتبة التنمر بهذه الدرجة من الانخفاض. وسوف يشجع هذا على تقديم شكاوى زائفة ضد الوزراء، وسوف يخلف تأثيراً مخيفاً على أولئك الذين يقودون التغيير لصالح حكومتكم، وفي نهاية المطاف الشعب البريطاني».
بعد ساعات من استقالة راب، عُين أوليفر دودن، وزير الخارجية في مكتب مجلس الوزراء، نائباً جديداً لرئيس الوزراء، وذهب منصب وزير العدل إلى أليكس تشوك، الذي كان وزيراً للدفاع.
قال زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر إن سوناك ما كان ينبغي له الاستعانة براب، وأنه كان يجب أن يتصرف بسرعة أكبر لإجباره على الرحيل. قال ستارمر لشبكة «سكاي نيوز»: «أعتقد أن ما يظهر هو الضعف المستمر لرئيس الوزراء».
كان سوناك قد تعرض بالفعل للانتقاد لأنه لم يعمل بسرعة على إقالة وزيرين آخرين في الحكومة، ناظم زهاوي وغافين ويليامسون، إثر قضايا تتعلق بالأخلاق.
جاءت الضجة حول راب في الوقت الذي اكتسب فيه سوناك أخيراً بعض الزخم السياسي، حيث وقع اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي بشأن آيرلندا الشمالية، ومع فرنسا بشأن قضايا الهجرة. وكان التصور بأن سوناك كان زعيماً مسؤولاً قد خفف من حدة العجز الكبير في استطلاعات الرأي لدى حزب المحافظين، برغم أن حزب العمال لا يزال متقدماً بفارق رقمين.
راب، من أشد المتحمسين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو واحد من الكوادر السياسية الشابة الذين تسلموا السلطة في خضم الجدال المرير بشأن ما إذا كان ينبغي لبريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي. وكان مشاركاً في تأليف كتاب «بريطانيا بلا قيود»، الذي وصف رؤية بريطانيا ما بعد «بريكست» بأنها مقصد تجاري رشيق ومنخفض الضرائب وخفيف التنظيم. كما غادر من السلطة أعضاء آخرون في تلك المجموعة، بمن فيهم كواسي كوارتنغ، الذي شغل منصب وزير الخزانة في عهد تراس.
استقال راب، الذي صعد إلى مجلس الوزراء عندما تولت تيريزا ماي رئاسة الوزراء، من منصبه سكرتير «بريكست» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018؛ احتجاجاً على مقترحاتها لمغادرة بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بعد انتخابات غير ناجحة لاختيار زعيم حزب المحافظين عام 2019، أيّد جونسون وكوفئ بمنصب وزير الخارجية. حانت له لحظة في دائرة الضوء عندما أصيب جونسون بمرض خطير بسبب فيروس كورونا، وأوفد راب، بصفته وزيراً رفيع المستوى، لرئاسة اجتماعات مجلس الوزراء بينما كان جونسون في المستشفى.
لكنه تعرض فيما بعد لانتقادات لاذعة بسبب بقائه في إجازة بجزيرة يونانية خلال الانسحاب الفوضوي للقوات البريطانية والأميركية من أفغانستان.
عندما أُجبر جونسون على ترك منصب رئيس الوزراء في يوليو (تموز) الماضي، فضّل راب سوناك على تراس في انتخابات قيادة الحزب. وبعد هزيمة سوناك، ملأت تراس مجلس وزاراتها بالمؤيدين لها وطرحت راب في البرية السياسية.
ثم استعاد حظوظه السياسية بعد أسابيع فقط عندما أُجبرت تراس على الاستقالة، وفي النهاية استولى سوناك على مقر الحكومة، بدعم من راب. فأعطى راب، المحامي، منصب وزير العدل، وأضاف لقب نائب رئيس الوزراء، وهو منصب شرفي إلى حد كبير، غير مدفوع الأجر، ولا يأتي مع حق تلقائي في خلافة رئيس الوزراء على المنصب.