جميل جعفر
TT

مشكلة في حظر «تيك توك»

حتى الآن، لعب التعديل الأول دوراً ضئيلاً في المناقشة حول حظر «تيك توك». وقد يتغير ذلك. وإذا حاولت الحكومة الأميركية إغلاق منصة الاتصالات الكبيرة هذه، فمن المؤكد أن التعديل الأول سوف يكون له رأي آخر.
ربما السبب في أن حقوق التعديل الأول لم تلق مزيداً من الاهتمام في هذه المناقشة بالفعل هو أن «تيك توك» هي شركة تابعة لشركة «بايت دانس»، وهي شركة صينية لا تملك حقوق حرية التعبير الدستورية للتأكيد عليها. لكن إذا نحّينا مسألة حقوق «تيك توك» جانباً، فإن مستخدمي المنصة يشملون أكثر من 150 مليون مواطن أميركي، كما أدلى الرئيس التنفيذي لشركة «تيك توك» بشهادته في جلسة استماع محتدمة في الكونغرس يوم الخميس. يمارس مستخدمو «تيك توك» الأميركيون بلا منازع حقوق التعديل الأول عندما يقومون بنشر المحتوى واستهلاكه على تلك المنصة.
قبل 6 سنوات، في قضية «باكنغهام ضد كارولاينا الشمالية»، ألغت المحكمة العليا قانوناً يحظر على مرتكبي الجرائم الجنسية المُدانين استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية، واستنتجت أن هذه المواقع الإلكترونية أصبحت «جزءاً لا يتجزأ من نسيج مجتمعنا وثقافتنا الحديثة».
وقبل نصف قرن من ذلك، قررت المحكمة العليا سلسلة من القضايا التي أقرت بأن التعديل الأول لا يحمي الحق في الكلام فحسب، وإنما يحمي أيضاً الحق في تلقي المعلومات، بما في ذلك الحق في تلقي المعلومات والأفكار من الخارج. وفي إحدى هذه القضايا، قضية «لامونت ضد مفتش عام البريد»، أبطلت المحكمة القانون الفيدرالي الذي منع الأميركيين من تلقي «الدعاية السياسية الشيوعية» من بلدان أجنبية ما لم يطلبوا على وجه التحديد من خدمة البريد تسليمها. فقد رأت المحكمة أن ذلك القانون كان محاولة غير مسموح بها «للسيطرة على تدفق الأفكار إلى عامة الناس».
لذا، ليس هناك شك في أن الإجراء الحكومي الذي سيكون تأثيره منع الأميركيين من استخدام منصة اتصالات أجنبية سوف يشتمل على التعديل الأول. وهذا بالضبط ما فعلته محكمة فيدرالية واحدة قبل عامين عندما منعت محاولة الرئيس دونالد ترمب حظر خدمة «وي - شات»، تطبيق المراسلة الصيني.
بطبيعة الحال، القول إن الحظر على «تيك توك» قد يشتمل ضمناً على استدعاء التعديل الأول لا يعني بالضرورة أن ذلك الحظر يعتبر انتهاكاً للتعديل الأول. لكن الحظر لا بد أن يتفق مع تدقيق التعديل الأول حتى يصمد في مواجهة التحديات الدستورية.
في الواقع، هناك حجة قوية مفادها أن الحكومة سوف تضطر إلى تلبية أكثر أشكال مراجعة التعديل الأول صرامة، لأن الحظر سوف يقوم مقام القيد المسبق على خطاب المستخدمين المحتملين لمنصة «تيك توك». وعلى أقل تقدير، يتعين على الحكومة إظهار أن الحظر مرتبط إلى حد كبير بالمصالح الحكومية المهمة.
المصالح الرئيسية التي تتذرع بها الحكومة حتى الآن تتضمن حماية بيانات المواطنين الأميركيين، وحرمان الحكومة الصينية من أداة يمكن استخدامها في نشر المعلومات المضللة. حتى إن افترضنا أن هذه مصالح مهمة (الأول واضح تماماً؛ لكن الثاني يثير أسئلة أكثر صعوبة، كما تعكس قضية لامونت)، يبدو من المشكوك فيه أن تتمكن الحكومة الأميركية من إثبات أن الحظر القاطع موجه خصيصاً لذلك.
فمن جهة، تستطيع الحكومة الصينية الحصول على بيانات خاصة عن الأميركيين من دون الاعتماد على «تيك توك». فهي تستطيع ببساطة شراء تلك البيانات من سماسرة البيانات، كما أوضح غلين غيرستل، المستشار العام السابق لوكالة الأمن القومي، قبل بضعة أسابيع في مقالة مستضافة في صحيفة «التايمز».
كذلك، كما أشار العديد من المدافعين عن الحقوق الرقمية، فإن الحكومة الفيدرالية قادرة على حماية خصوصية الأميركيين بقدر أعظم من الفعالية (ومن دون ضرورة اللجوء إلى فرض حظر قاطع على منصة الاتصالات التي يستخدمها الملايين من الأميركيين) عبر سن قانون شامل لتنظيم الخصوصية. أما بالنسبة إلى المخاوف المتعلقة بالتضليل، فلم تُقدم الحكومة الأميركية دليلاً على أن الحكومة الصينية قد أجبرت «تيك توك» على مواءمة لوغاريتماتها مع ضرورات جهود التضليل التي تبذلها البلاد. باعتبار كل ذلك، من الصعب معرفة كيف يمكن أن يستمر الحظر بعد مراجعة التعديل الأول. وقد أبدى تحالف واسع من منظمات حرية التعبير - بما في ذلك مركز «بن أميركان»، ومركز «الديمقراطية والتكنولوجيا»، ومعهد «فرسان التعديل الأول»، الذي أتولى إدارته - هذه الملاحظة بصفة أساسية في رسالة بُعثت إلى الكونغرس قبل جلسة الاستماع يوم الخميس.
لا يتغير أي من هذا التحليل لمجرد أن الحكومة تقول إنها تتصرف لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وقد رأت المحكمة العليا والمحاكم الأدنى مراراً وتكراراً أن مجرد الاحتجاج بالأمن القومي ليس كافياً لتبرير قمع حقوق التعديل الأول. وفي المحكمة، سوف يكون لزاماً على الحكومة تقديم الأدلة التي تؤكد أن التهديدات التي تتصدى لها حقيقية، وليست مجرد تخمينات، وأن الحظر المقترح من شأنه التصدي لهذه التهديدات. والأدلة التي جُمعت حتى الآن من غير المرجح أن تكون كافية.
لا شك أن كل ذلك سوف يكون محبطاً لبعض صناع السياسات، بما في ذلك بعض الذين يركزون بكل إشادة وإطراء على المخاطر الحقيقية التي تفرضها ممارسات شركات وسائل الإعلام الاجتماعية على خصوصية الأميركيين وأمنهم. لكن شرعية ديمقراطيتنا تعتمد على حرية التجارة في المعلومات والأفكار، بما في ذلك عبر الحدود الدولية. وباستثناء أشد الظروف تطرفاً، ينبغي أن يكون المواطنون قادرين على التعامل بحرية مع منصات الاتصالات التي يختارونها.
ربما هناك سياقات يمكن فيها التوفيق بين حظر منصة وسائل التواصل الاجتماعي وبين القيم الديمقراطية. من المتصور أن تتمكن الحكومة الأميركية في نهاية المطاف من إثبات ضرورة حظر «تيك توك»، حتى إن لم تكن قد فعلت ذلك بعد. لكن التعديل الأول سوف يُلزم الحكومة بتحمل عبء ثقيل من التبرير. هذه «سمة» مهمة من سمات نظامنا وليست «علة».