مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أهنئكم بشهر الصوم

مع دخول رمضان، اسمحوا لي أن تكون كتاباتي فيه، أغلبها عن هذا الشهر الفضيل، متمنياً أن يكون فيها ولو القليل من الفائدة من دون أي تكلف، وأبدأ مع الرحالة (ابن جبير)، الذي بدأ رحلته من بر مصر والسودان، قاصداً الحج بالدرجة الأولى، وبعد رحلة شاقة وصلوا جميعا إلى البر، ويقول: لجأنا إلى خور يقال له (أبحر)، وهو ملجأ للصوص والقراصنة إذا حاصرتهم الرياح أو عسكر الدولة، وأبحر هذا يبعد عن جدة (يوماً وبعض يوم).
المهم حمدنا الله على ما عانيناه في تلك الأيام الثمانية طوال مقامنا في البحر، وكانت أهوالاً شتى، عصمنا الله منها بفضله وكرمه، فمنها ما كان يطرأ من البحر واختلاف رياحه وكثرة شعابه المعترضة فيه، ومنها ما كان يطرأ من ضعف عدة «المركب» واختلاله واقتصامه المرة بعد المرة عند رفع الشراع أو حطه أو جذب مرساة من مراسيه، وربما سنحت الجلبة بأسفله على شعب من تلك الشعاب في أثناء اختلاله فتسمع لها هديراً يؤذن باليأس، فكنا فيه نموت مراراً ونحيا مراراً، والحمد لله على ما منّ به من العصمة وتكفّل به من الوقاية، وجدة هذه قرية على ساحل البحر المذكور أكثر بيوتها أخصاص، وفيها فنادق مبنية بالحجارة والطين وفي أعلاها بيوت من الأخصاص كالغرف، ولها سطوح يستراح فيها بالليل من أذى الحر، وفي هذه القرية آثار قديمة تدل على أنها كانت مدينة قديمة، وأثر سورها المحدق بها باق إلى اليوم، وبها موضع فيه قبة مشيدة عتيقة، يذكر أنه كان منزل حواء أم البشر، عند توجهها إلى مكة، فبني ذلك المبنى عليه تشهيراً لبركته وفضله، والله أعلم بذلك.
وكان نزولنا فيها بدار القائد علي، وهو صاحب جدة من قبل أمير مكة، في صرح من تلك الصروح الخوصية التي يبنونها في أعلى ديارهم ويخرجون منها إلى سطوح يبيتون فيها، وعند وصولنا إلى جدة المذكورة عاهدنا الله عز وجل، سروراً بما أنعم الله به من السلامة، ألّا يكون انصرافنا على هذا البحر... إلا إن طرأت ضرورة تحول بيننا وبين سواه من الطرق.
وأكثر سكان هذه البلدة مع ما يليها من الصحراء والجبال أشراف علويون حسنيون وحسينيون وجعفريون، رضي الله عن سلفهم الكريم، وهم من شظف العيش بحال يتصدّع له الجماد إشفاقاً.
ومن مهنهم: إكراء جمال إن كانت لهم، أو بيع لبن أو ماء، إلى غير ذلك من تمر يلتقطونه أو حطب يحطبونه – انتهى - وإلى اللقاء بعد غد.