إميل أمين
كاتب مصري
TT

أميركا... ماذا يحدث للقطاع المصرفي؟

نهار الجمعة الفائت، هَوَت «وول ستريت» بنسبة 2 في المائة، خلال أسوأ جلسة منذ جائحة «كوفيد-19»، بينما انهار مؤشر قطاع البنوك بنحو 6 في المائة، بعد أن شهد عمليات بيع قياسية.
هل كان السبب تراجع أسهم بنك «سيليكون فالي» بأكثر من 50 في المائة، ومعه بنك «سيلفر غيت» الذي تراجعت أسهمه بنسبة 22 في المائة؟ أم أن الأمر مرده لتدهور في أحوال الاقتصاد الأميركي الإجمالي؟
تبدو حقيقة القطاع المصرفي الأميركي؛ لا سيما البنوك الصغيرة، في وضع مزعج؛ حيث عدم قدرتها على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة واضح للغاية، وأصبح احتمال إفلاسها أكبر مع رفع الفوائد، ودخول الاقتصاد في مرحلة تباطؤ للنمو، قد يصل به إلى الركود.
لا يمثل إغلاق بنك «سيليكون فالي» أكبر عملية إفلاس مصرفي منذ إغلاق بنك «واشنطن ميوتشوال» للادخار في عام 2008 فحسب؛ بل أيضاً يعد ثاني أكبر إفلاس لبنك بالتجزئة في الولايات المتحدة.
لا يمضي في الطريق الصحيح؛ لا سيما بعد تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، التي أشار فيها إلى الحاجة لرفع أسعار الفائدة بأكثر من المتوقع؛ حيث أكد على أنه ربما تكون هناك حاجة لفعل المزيد لكبح التضخم، ورفع أسعار الفائدة، وبما يتجاوز خطوات الرفع بربع نقطة مئوية في كل مرة.
تلفت وكالة «بلومبرغ» في الأسابيع الأخيرة، وعبر أكثر من تقرير، إلى الخطر الذي يلوح في الأفق مع ارتفاع أسعار السندات، بينما شبكة «سي إن بي سي»، تقول إن السوق أدركت أخيراً كيف أن أسعار الفائدة المرتفعة موجودة لتبقى.
ما جرى في بنك «سيليكون فالي» تسبب في خسارة أكبر 4 مصارف أميركية بـ52 مليار دولار، والخوف الأكبر يتمثل في أن هناك مجموعة أخرى من المصارف، مثل «سيلفر جيت»، أعلنت أنها في الطريق إلى التصفية.
لا تبدو المخاطر المحدقة بالاقتصاد الأميركي متمحورة حول قطاع البنوك، صغيرة كانت أم كبيرة فقط، فهناك أزمة جديدة تلوح في الأفق، إذ تقترب البلاد مما يسمى «التاريخ إكس»، الذي تصل فيه الحكومة الأميركية إلى طريق مسدود، في مواجهة أزمة الدين العام الذي تجاوز 31.4 تريليون دولار.
يرفض الجمهوريون زيادة سقف الدين، الأمر الذي يطالب به الديمقراطيون، ومن غير نافذة أمل حتى الساعة، مع اقتراب شهر يونيو (حزيران) والذي لن تجدي معه الوسائل الفرعية، لتسيير أعمال الحكومة الأميركية في الداخل.
علامة الاستفهام المثيرة للقلق أميركياً وعالمياً: «ماذا إذا بلغ العناد بالحزبين الكبيرين حد عدم الاتفاق؟».
سوف تتوقف الولايات المتحدة الأميركية عن سداد ديونها، ما يعني انخفاضاً واضحاً في قيمة الدولار الأميركي، بعدما تضطر الحكومة لخفض الإنفاق بشكل كبير، أو زيادة الضرائب، مما يكون له آثار سلبية على المشهد الاقتصادي الأميركي الداخلي أول الأمر.
تالياً، لن يسلم الاقتصاد العالمي من التبعات، فمن شأن التخلف عن سداد هذه الديون، خلق حالة من الارتباك في الاقتصاد العالمي الذي يعتمد بشكل كبير على الاستقرار الاقتصادي والسياسي النسبي لأدوات الدين الأميركية، إذ سترتفع أسعار الفائدة شرقاً وغرباً، وهو ما حدث بالفعل مؤخراً، ومرشح للحدوث من جديد، مع تقليص المستثمرين لمشترياتهم في سندات الخزانة، والتي لن تعود آمنة تماماً، ما يزيد من خطر التخلف عن السداد، إذ إن مجرد التهديد بالتخلف عن السداد يزيد من تكاليف الاقتراض.
ما الذي تقترحه إدارة الرئيس بايدن لمواجهة العاصفة الاقتصادية القادمة في الطريق؟
سلسلة من الضرائب الجديدة، على المليارديرات والمستثمرين الأثرياء والشركات، ضمن مشروع الميزانية المقدم للكونغرس.
وكذلك رفع ضريبة الأرباح الرأسمالية على الاستثمار إلى 39.6 في المائة من 20 في المائة، وزيادة ضرائب الدخل على الشركات الكبرى.
غداً الخميس، سوف تعرض ميزانية بايدن؛ لكن فرص إقرار تلك المقترحات تبدو ضئيلة؛ خصوصاً بعد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب؛ إذ لم يكن بايدن قادراً على تمرير زيادات ضريبية مماثلة، عندما كان الديمقراطيون يتمتعون بالسيطرة على مجلس الكونغرس، وبدلاً من ذلك وافقوا على تشريعات مخففة تركز على الطاقة والسياسة الصحية المعروفة باسم قانون الحد من التضخم.
يبدو الاقتصاد الأميركي حقلاً ملغماً بكثير من المتفجرات، ومنها على سبيل المثال المبالغ النقدية الهائلة التي تمت طباعتها ورقياً، ومن غير أي غطاء، خلال تفشي الفيروس الشائه «كورونا»، وقد بلغت تريليونات من الدولارات.
جزء كبير وبالغ من تلك الأرصدة لا يزال في حوزة البنوك التجارية، والبعض الآخر لدى وزارة الخزانة الأميركية، وهي التي تسمح لإدارة بايدن بدفع الفواتير.
لن يقدَّر لبنكنوت الدولارات المطبوعة، من غير سند حقيقي من ذهب أو إنتاج، أن يدعم الاقتصاد الأميركي لمدة أبعد من منتصف يونيو القادم، وعليه تبدو رياح العاصفة الاقتصادية على مرمى البصر من أميركا والعالم، وبغير منظار.
يكشف تقرير أخير نشرته صحيفة «ذا هيل»، عن وجود نحو 600 ألف مشرد أميركي هائمين على وجوههم في الشوارع، الأمر الذي لا يعكس فقط أزمة اقتصادية؛ بل يشكل تهديداً للمجتمع والعائلة ومستقبل الأُسر الأميركية.
التناقض الأميركي الرأسمالي بات مهدداً قوياً، فالبنوك الاستثمارية متعددة الجنسيات، تسعى لمراكمة أرباحها، والرئيس بايدن يزخم أوكرانيا مكايدة في بوتين بنحو 100 مليار دولار، تستفيد منها شركات صناعة السلاح ومن يقف وراءها من السياسيين.
هل سيدفع العالم من جديد أكلاف أزمة اقتصادية أميركية قادمة؟