علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

عبد الرحمن شاكر ووهم ثورته الشيوعية الموؤودة

في مقال الناقد الماركسي إبراهيم فتحي «صورة الفنان في شبابه» الذي أضاء فيه تاريخ يوسف إدريس الملتبس في الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)، استوقفتني جملة اعتراضية قالها في هذا المقال.
وسأعيد ما نقلته من هذا المقال مرة أخرى، ليكون القارئ على بيّنة من السياق الذي قال فيه تلك الجملة.
يقول إبراهيم فتحي: «ففي مؤتمر تاريخي صبيحة تعيين حافظ عفيفي رئيساً للديوان الملكي اشتعلت الجامعة بالمظاهرات. ولم يكن خط (حدتو) يحبذ الهتاف بسقوط الملك، بل التركيز على عزل حافظ عفيفي، أما منظمة الحزب الشيوعي المصري (محمد جلال كشك، رؤوف نظمي)، فهي التي تولت الهتاف بسقوط الملك، وكذلك طليعة العمال (عادل فهمي المحامي)، وليس معنى ذلك تأييد (حدتو) للملك، بل تركيزها على الاستعمار – وهو موقف خاطئ».
وفي هذا المقال أشار إلى أنه في التاريخ الذي حدثت فيه تلك المظاهرة كان عضواً في «حدتو»، وإلى أنه كان مع يوسف إدريس طالباً في كلية الطب.
الجملة الاعتراضية التي استوقفتني، هي الجملة التي خطَّأ فيها موقف «حدتو» بتركيزها على مكافحة الاستعمار، وإهمال – لسبب تكتيكي– المناداة بإسقاط النظام الملكي.
إن إبراهيم فتحي لو كان في ذلك التاريخ ما يزال عضواً في «حدتو» لما كان خطَّأ موقفها ذاك؛ لأن أبناء الجماعات الشيوعية لا يخطئون الجماعة الشيوعية التي ينتمون إليها إلا في حالة الانضمام إلى جماعة شيوعية أخرى أو في حالة إنشاء جماعة شيوعية منقسمة على الجماعة الشيوعية الأم، سواء أكانت الجماعة الأم كبيرة أم صغيرة.
إنه نسي، أو لعله تناسى، أنه في ذلك التاريخ، لم يعد عضواً في «حدتو». فهو كان مع علي الشوباشي ومع آخرين من المنشئين في عام 1950، لمنظمة شيوعية منشقة عن منظمة «حدتو»، كان اسمها «وحدة الشيوعيين».
يمكن تصنيف هذه المنظمة وتصنيف منظمة الحزب الشيوعي المصري (الراية) بأنهما في موقعهما السياسي والآيديولوجي تقعان على يسار منظمة «حدتو». وعلى اعتبار تصنيفهما لخطهما السياسي والآيديولوجي بأنه الأكثر راديكالية والأكثر ثورية من منظمة «حدتو»، كانتا تتهمانها بالإصلاحية والمهادنة، وأنها – بجلاء - تمثل اليمين الماركسي. ومع ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، الذي ناصرتها منظمة «حدتو» - لأسباب خاصة بها - انتقدتاها بشدة لتأييدها في البداية، للثورة الذي وصفوها بـ«الانقلاب الفاشي الاستعماري»، ووصفوه بحكم «الطغمة العسكرية». وشنَّعوا عليها لأنه لم تدن قرار رجالها، إعدام العاملين خميس والبقري.
يقول عبد القادر الشهاوي في مذكراته «الحلم والسجن والحصار: رحلة مناضل مصري»، إنه وهو يتحدث مع الرفيق عامر (عبد الرحمن شاكر) بشأن تقريره، قال له: «بعد تعيين حافظ عفيفي رئيساً للديوان خرجت الجماهير تهتف ضد عفيفي وضد الملك حافظ عفيفي، بل إن الهتاف ضد الملك كان صريحاً وعلانية: الغذاء والكساء يا ملك النساء».
علّق الشهاوي بجملة اعتراضية على ما حدّثه به عبد الرحمن شاكر، فقال: «ذكرت للأستاذ شاكر أن الهتافات ضد الملك وتحطيم صوره في عيد ميلاده بالجامعة كان مبكراً جداً أيام الحركة 1946».
يعني الشهاوي بحركة 1946 الحركة التي تحدث عنها ألبير آريِّه في كتاب صدر له أخيراً، وهو كتاب «مذكرات يهودي مصري».
يقول في حديثه عنها: «جاء إلى القاهرة عام 1946 وفد سوداني بقيادة إسماعيل الأزهري، وكان قادماً للتضامن مع الحركة الوطنية المصرية... الحركة الطلابية والوطنية وزعماؤهم كانوا شباباً، والذين يقودون المظاهرات في العشرينات من العمر... الحركة يومها كانت عن الكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني، وفي نهاية الاجتماع تم حمل إسماعيل الأزهري على الأكتاف».
وكما نرى، فإن ألبير آريِّه في مذكراته لم يتطرق إلى ذكر المعلومة التي قالها الشهاوي، مصححاً المعلومة التي حدّثه بها أستاذه عبد الرحمن شاكر.
يذكر ألبير آريِّه هذه المعلومة اللافتة: «وفي إحدى المظاهرات رفعنا لأول مرة شعار (يسقط الملك)، وكان زميلنا إلهامي سيف النصر هو أول من رفعه، وكان طالباً في كلية الحقوق. وحدث هذا بسبب تواطؤ السراي مع الإنجليزي ووقوفهما ضد الحركة الوطنية، ورفعوا شعار (أين الغذاء والكساء يا ملك النساء؟). وفي هذا الوقت كانت هناك عقوبات للعيب في الذات الملكية، وإلهامي كان ينتمي إلى عائلة ثرية، وأظن أن أخاه الأكبر كان وزيراً للمواصلات وقتها، ولم يمسه أحد».
أخو إلهامي سيف النصر وزير المواصلات هو رياض عبد العزيز سيف النصر بك. وقد شغل هذا المنصب من 28 ديسمبر (كانون الأول) 1948 إلى 27 فبراير (شباط) 1949. وإلهامي عبد العزيز سيف النصر، كانت بدايته الشيوعية في تنظيم «حدتو»، ولما أسس شهدي عطية الشافعي تنظيماً شيوعياً منشقاً عنها عام 1947، اسمه «التكتل الثوري»، شاركه في قيادته، أنور عبد الملك وحسين الغمري وسعد زهران، انضم إليه مع محمد سيد أحمد ومع آخرين.
وإلهامي من ضمن العائلات الأرستقراطية التي انضم أبناؤها إلى الحركة الشيوعية. ومن أقاربه الشيوعيين عادل سيف النصر، وأبو بكر حمدي سيف النصر الذي سبقهما في الانتماء إلى الحركة الشيوعية. وكان يشبه كثيراً في ملامحه الملك فاروق، وقد استغل هو هذا الشبه في القيام بأعمال في خدمة الحركة الشيوعية.
إلهامي كان متزوجاً من أخت محمد سيد أحمد ابنة عباس باشا سيد أحمد الذي كان قد تولى منصب محافظ مدينة بورسعيد.
ومحمد سيد أحمد كان هو - أيضاً - ابن عائلة أرستقراطية، فإسماعيل صدقي باشا عدو الشيوعيين كان ابن عم والده وزوج عمته!
ومحمد سيد أحمد هذا لمع اسمه في التحليل السياسي دفعة واحدة. لمع اسمه مصرياً ولمع عربياً ولمع عالمياً عند المعنيين بهذا الشأن بعد تأليفه كتاب «بعد أن تسكت المدافع» عام 1975، الذي صدر عن دار «الطليعة» ببيروت.
إلهامي تزوج مرة أخرى من فتاة فلسطينية - أردنية، وأنجب منها الممثلة شيرين سيف النصر.
بعد المعلومة اللافتة التي ذكرها ألبير آريِّه، يصبح لدينا أربع روايات حول أول شيوعي، هتف بسقوط الملك فاروق في مظاهرة سياسية في جامعة الملك فؤاد:
رواية جلال كشك الذي يقول إنه هو أول من هتف به ويتحدى من يقول بخلاف ذلك. ورواية عبد الرحمن شاكر الذي يقول إنه وجّه رؤوف نظمي (محجوب عمر) بأن يهتف به. ورواية ألبير آريِّه الذي يقول إن أول من هتف به إلهامي سيف النصر. ورواية عبد القادر الشهاوي الذي يرجع تاريخ هذا الهتاف إلى أقدم من عام 1951؛ إذ قال إنه قيل بهذا الهتاف في مظاهرة سياسية عام 1946.
أستكمل الآن إيراد الرد الذي نشرته مجلة «الهلال» في بابها الثابت «أنت والهلال» في عدد سبتمبر (أيلول) 1991 على مقال إبراهيم فتحي «صورة الفنان في شبابه»، تحت عنوان «من ألغاز النشاط السري قبل الثورة»، والذي أوردت القسم الأول منه في المقال السابق.
يقول صاحب هذا الرد: «وتطورت الأمور إلى أن وقع حريق في 26 يناير (كانون الثاني) عام 1952، وكتب عامر تقريراً بعنوان (ثورة 1952)، وقدمه للجنة المركزية للحزب في أبريل (نيسان) من العام المذكور. وفي هذا التقرير اتهم عامر قيادة الحزب بأنها تخلت عن الجماهير الثائرة ضد النظام الملكي، والتي لم تكن لتقنع بالمطالبة بإسقاط رئيس الديوان الملكي، وبالتالي لم تسعَ إلى تنظيم الثورة على النظام الملكي، تلك الثورة التي كانت تقترب بشدة وتعتمل بضراوة في ضمير الشعب المصري، رغم أن الحزب الشيوعي كان ينعى (!) في برنامجه على (!) إسقاط النظام الملكي، ويركز عليه أكثر من بقية المنظمات الشيوعية، وأن الحزب لم يسعَ إلى تكوين الجبهة المتحدة لإسقاط هذا النظام في ظل احتدام الأزمة، ولا حتى إلى توحيد صفوف الشيوعيين في هذا المسعى، اعتذاراً بالضعف التنظيمي للحزب، علماً أن الأزمات الثورية هي أكبر فرصة للتنظيمات الثورية لدعم كيانها التنظيمي؛ إذا أحسنت استغلال الظرف الثوري، أو المد الثوري طبقاً للتعبير الماركسي المألوف. وكانت مواقفها متجاوبة مع مواقف الجماهير الشعبية، وليس متخلفة وراءها، كما كان موقف قيادة الحزب. وإنه قد ترتب على هذا الموقف أن انفجرت الثورة على النظام الملكي، بالفعل في 26 يناير، ولكن لم تكن هناك قيادة ثورية مستعدة لكي توجه الجماهير نحو الاستيلاء على السلطة. فقادتها الرجعية بواسطة عملائها من المخربين إلى الحرق والتدمير، وبالتالي إلى الهزيمة المنكرة للثورة.
وقد ردت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري، على الرفيق عامر بفصله من صفوف الحزب، وتولى سكرتير الحزب إصدار كتيب يدين فيه عامر، ويتهمه بالتطرف اليساري بعنوان (احذروا الانتهازية اليسارية)، وأمر بتدريس هذا الكتيب في خلايا الحزب.
ولكن أغرب ما في الموضوع، وأدعاه للأسى، أن قيادة الحزب الشيوعي المصري، لم تتردد بعد أن أسقطت حركة الجيش، النظام الملكي في يوليو من نفس العام، في ادعاء أن الحزب هو الذي مهد لخلع الملك، والفخر بأن أعضاءه كانوا أول من هتف بسقوط النظام الملكي! ولكنهم لم يفكروا في الاعتراف بخطئهم، أو دعوة عامر للعودة إلى صفوف الحزب من جديد. وكان الاعتداد بذواتهم يملأ نفوسهم على نحو غريب. كان من المنطقي معه أن يكونوا طليعة للأحزاب الشيوعية في حل نفسها؛ إذ سبقوا إلى ذلك في عام 1964، ولكن هذه قصة أخرى، لا وجه لتفصيلها في هذا المقال».
صاحب هذا الرد – كما قلت في المقال السابق – رمز لشخصه بحرفين من اسمه، هما: «ع.ش»، وأن هذين الحرفين يرمزان لاسم عبد الرحمن شاكر الذي اتخذ من اسم الرفيق عامر اسماً حركياً له.
في رده - بعد أن أوردته كاملاً - قد تلحظون أنه لجأ إلى ما يسمى في النقد الأدبي بتقنية القناع. لجأ إليها من دون ضرورة فنية، ولا موجب موضوعي.
ويحسن بي أن أكاشف القارئ بحقيقة، وهي: أني قرأت الرد حين نشره في مجلة «الهلال» في العدد المشار إليه آنفاً. وأذكر أنه شدني ما جاء فيه من معلومات، فقرأته حينها أكثر من مرة. لكني لم أربط بين حرفي «ع» و«ش» اللذين ذيّل صاحب الرد ردّه بهما، وبين اسم عبد الرحمن شاكر، مع أني كنت أقرأ مقالاته في مجلة «الهلال» بفتور؛ لأنه لم يكن – بالنسبة لي - سوى كاتب عقائدي باهت، ليس في مقالاته ومضة ولا بريق ولا جاذبية ولا إمتاع ولا فائدة علمية ولا نقد تثقيفي.
والفضل في ربطي بين ذينك الحرفين وبين اسم عبد الرحمن شاكر هو لكتاب «الحلم والسجن والحصار: رحلة مناضل مصري» لعبد القادر الشهاوي؛ فبواسطة هذا الكتاب الذي قرأته قبل نشر مقالي «الشيوعي المستخفي» بأسبوع ضمن كتب أخرى عن الحركة الشيوعية في مصر، قرأتها بحثاً عن تاريخ عبد الرحمن شاكر فيها، عرفت أنه كان منتمياً للحزب الشيوعي المصري (الراية)، وأن اسمه الشيوعي الحركي كان الرفيق عامر.
دافع الشهاوي في كتابه هذا عن تقرير الرفيق عامر (عبد الرحمن شاكر) بالحرارة التي دافع بها صاحبه عنه باسمه المقنّع «ع.ش» في مجلة «الهلال»، وكلاهما نعيا على حزبهما الشيوعي عدم الأخذ به، مما فوّت – في نظرهما - على حزبهما فرصة تاريخية سانحة، للاستيلاء على السلطة في 26 يناير 1952، فسرقها منه الضباط الأحرار في 23 يوليو من ذلك العام!
يقول الشهاوي في دفاعه عن تقرير الرفيق عامر: «اجتمع تنظيم الضباط الأحرار في اليوم التالي لحريق القاهرة، ورأوا أن الموقف يتدهور، وأن الزمام يوشك أن يفلت، وأنهم يتوقعون الانفجار في أي لحظة، وكان هذا مضمون رأي الأستاذ شاكر. كان تنظيم الضباط الأحرار قد بدأ بشكل مبدئي بعد حرب فلسطين، ثم بدأ يتخذ شكل التنظيم الدقيق بعد انتخابات نادي الضباط. وبعد أن استدعى جمال عبد الناصر للتحقيق معه بمعرفة إبراهيم عبد الهادي، وكانت هي علاقته بالإخوان المسلمين.
وفي عام 1950، بدأ التنظيم يطبع المنشورات بمساعدة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)، عن طريق أحمد فؤاد الذي أصبح بعد الثورة رئيساً لبنك مصر.
وهكذا تبين أنه فضلاً عن علاقة التنظيم بالإخوان (جمال عبد الناصر، كمال الدين حسين، وغيرهما)، فقد كان لبعضهم علاقة بالحركة الديمقراطية (خالد محيي الدين، يوسف صدِّيق، وغيرهما)، كما كان لبعضهم علاقة بالجناح الثوري في حزب الوفد (ثروت عكاشة).
ولم تكن رؤية الضباط الأحرار، ورؤية الأستاذ شاكر، هي الوحيدة في الساحة، بل إن السفير الأميركي كافري، كان يرى أن مصر تسير في طريق اللّاعودة، وليس هناك أمل في الاستقرار، ولا يمكن استبعاد عودة الشغب. ومعنى هذا أن نهاية النظام حتمية، ولا فرار من النهاية. ولكن الأطراف في هذه الحالة بعد أن استبعد الحزب الشيوعي نفسه، كانت تخطط لانقلاب غير شيوعي، حتى إن الإخوان اتصلوا بالضباط الأحرار، وأخبروهم أن الإنجليز أعطوهم الضوء الأخضر لاغتيال الملك».
يكمل عبد القادر الشهاوي - بأسلوبه اللغوي الضعيف والركيك - نقل ما حدّثه به عبد الرحمن شاكر، فيقول: «كانت الأحكام العرفية قد أُعلنت، وجاء علي ماهر... فقبض على شقيق الأستاذ شاكر، زهير، وهو يطبع منشورات يطالب فيها بإسقاط الملك... ثم يضيف (يقصد أستاذه عبد الرحمن شاكر) أن الدكتور رؤوف فرج، عرض على شاكر أن يستضيفه في المنيا حمايةً له من الاعتقال. وفي المنيا كتب تقريراً برأيه في الأحداث قبل الحريق. وقال: إن التخلي عن فكرته أدى إلى ترك الجماهير بدون قيادة، وكانت النتيجة أن الرجعية حرقت القاهرة ومعها أحرقت ثورة الشعب. وطالب في النهاية بعقد مؤتمر للحزب يناقش فيه هذا الرأي. واستلم التقرير الرفيق غالب (داود عزير). وكانت النتيجة أنه أُقصي نهائياً عن العمل الحزبي، وقُبض عليه في 26/1/1953، مع قرار حل الأحزاب، واعتقل مع أخيه زهير في معتقل الصناعات الميكانيكية مع حسين الغمري وعادل حسين».
في مساء يوم حريق القاهرة 26 يناير 1952، أعلنت حكومة الوفد برياسة رئيس مجلس الوزراء مصطفى النحاس باشا الأحكام العرفية.
وفي اليوم التالي 27 يناير 1952، أصدر الملك فاروق أمرين ملكيين: الأول، صادر إلى رئيس الحكومة النحاس باشا، يقضي بإقالته وإقالة حكومته، قال فيه: «ولقد أسفنا أشد الأسف لما أصيبت به العاصمة أمس من اضطرابات نتجت عنها خسائر في الأرواح والأموال، وسارت الأمور سيراً يدل على أن جهد الوزارة التي ترأسونها قد قصّر عن الأمن والنظام».
والثاني: صادر إلى علي ماهر باشا بتوجيه مسند رياسة مجلس الوزراء له، وأمره - بحسب البروتوكول المتبع وقتها - بتأليف وزارة جديدة.
وقد عملت الحكومة الجديدة بالأحكام العرفية التي أصدرتها الحكومة السابقة.
ولقد أخطأ الشهاوي في اسم الذي عرض على عبد الرحمن شاكر استضافته في المنيا، فاسمه رؤوف نظمي وليس رؤوف فرج. وفي ذلك الوقت كان طالباً في كلية الطب بجامعة الملك فؤاد، ولم يحصل بعدُ على شهادة البكالوريوس فيها.
إن عبد الرحمن شاكر إلى وفاته عام 2010، ظل يعتقد أن الرفيق خالد أو الدكتور فؤاد مرسي سكرتير الحزب الشيوعي المصري (الراية)، ومعه قادة هذا الحزب، الدكتور إسماعيل صبري عبد الله، وداود عزيز، ومصطفى طيبة، وسعد زهران، وآخرون، غدروا بالثورة الشيوعية التي كان هو سيشعل فتيلها في القاهرة وفي أنحاء مصر، فوأدوها بمماحكات تنظيرية وتنظيمية وعملية، وبقرار تعسفي قضى بفصله من الحزب الذي كان سيكون أداته المثلى في إشعال لهيب الثورة الشيوعية في مصر كلها.
يقاسمه الاعتقاد الوهمي تلميذه الحزبي عبد القادر الشهاوي، وتقاسمه أيضاً فيه ابنة أخته الكاتبة سامية أبو زيد!
إن عبد الرحمن شاكر على تواضع قدراته التنظيرية، وعلى تواضع قدراته التنظيمية، توهم أنه لو لم يُفصل من حزبه الشيوعي، وأنه لو قبلها عمل حزبه بما جاء في تقريره، لكان هو «لينين» مصر، ولكان تقريره الموسوم بـ«تقرير الرفيق عامر»، أو كما سماه هو «ثورة 1952»، وُضع جنباً إلى جنب في رفٍّ واحد مع كرّاس لينين الشهير «ما العمل؟» في مكتبة استراتيجيات الثورات وتكتيكاتها العظمى والعالمية!
وللتمييز بين جلال كشك وبين عبد الرحمن شاكر، أقول عن الأول:
جلال كشك تتوفر فيه كل المواهب التي تنقص عبد الرحمن شاكر. وجلال كشك مجبول على التمرد والاستقلال والمشاكسة منذ أن كان شيوعياً يافعاً، وظل كذلك في كل أطواره السياسية والفكرية إلى أن توفي عام 1993.
معضلة عبد الرحمن شاكر النفسية والسياسية والآيديولوجية أنه مسكون بأنه تعرض في شبابه لـ«مظلومية ثورية شيوعية» امتدت إلى باقي مراحل عمره، في حين أن جلال كشك على عكسه، كان يسجل بفرح وتباهٍ «أسبقياته الثورية»، والتي لا نعلم ما الصحيح وما الزائف فيها.
جلال كشك على استغراقه في اتجاه إسلامي عروبي، وانقلابه بشراسة على عقيدته الماركسية منذ أول الستينات الميلادية، فإنه ظل يفاخر بما تدين له ثورة 23 يوليو 1952، من فضل للكتب التي ألّفها أيام ماركسيته. وكان يصرّح بهذا أيام ناصريته التي امتدت من عام 1954 إلى يوم وفاة عبد الناصر يوم الاثنين 28 سبتمبر عام 1970.
يتشابه رأي جلال كشك مع رأي عبد الرحمن شاكر من ناحية ما، في قول الأول – كما مر بنا في مقال سابق: إن مصر في عام 1951، كانت على أبواب ثورة فلاحية كبرى.
لكن قوله هذا، يقول به كثير من الشيوعيين المصريين على اختلاف تنظيماتهم الشيوعية، فهم يرون أن مصر قبل سنوات قليلة من «انقلاب» بعض رجال الجيش على النظام الملكي، كانت تحبل بثورة وطنية ذات طابع يساري، كان سيقودها المثقفون الشيوعيون! وللحديث بقية.