أخبار دولية وعربية
الأمور ليست على ما يرام لرئيس الوزراء البريطاني
الأمور ليست على ما يرام لرئيس الوزراء البريطاني
لدى ريشى سوناك، رئيس وزراء بريطانيا، خطة للعام الجديد. ففي خطاب ألقاه في أوائل يناير (كانون الثاني)، وضع أجندة لإعادة تنشيط البلاد وإنقاذ حزب المحافظين، الذي أصبح الآن قيد السقوط الحر. «سوف نخفّض التضخم إلى النصف، وننمّي الاقتصاد، ونخفّض الديون، ونخفّض قوائم الانتظار، ونوقف الهجرات».
قد يُغفر لك الاستماع إلى رسالة يائسة. السيد سوناك، بعد كل شيء، تولى منصبه وأمامه جبل ليتسلقه. إن أزمة تكاليف المعيشة ليست سوى البداية: فحيثما يمَّمتَ ناظريك، يبدو أن الصراع في تصاعد مستمر أمامك. على سبيل المثال لا الحصر، هناك أزمة الرعاية الصحية، وأزمة الإسكان (الملكية والإيجار على حد سواء)، وأزمة التعليم، وأزمة رعاية الأطفال، وأزمة النقل، وأزمة المناخ، وليس أقلها، الأزمة الدستورية التي تهدد نهاية الاتحاد مع اسكوتلندا. في بريطانيا، من الأسهل بكثير توثيق ما لا يترنح على حافة الانهيار.
حتى رجل الدولة العظيم يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر لتحقيق أي تقدم في التعامل مع مثل هذه الأمراض الاجتماعية عميقة الجذور. لكنَّ العلامات المبكرة ليست جيدة. بعيداً عن الوفاء بوعده بجلب «الاستقرار والوحدة» إلى البلاد وإلى حزبه، فعل رئيس الوزراء العكس تماماً. ربما بدأ عصر جديد، لكنه لا يسير على ما يرام.
في البداية، لم يفعل السيد سوناك شيئاً يُذكر لتغيير سمعته كتكنوقراطي حَذِر. وأعلنت الخطط الاقتصادية، التي كُشف عنها في نوفمبر (تشرين الثاني)، عن تخفيضات كبيرة في الإنفاق لكنها أجّلت الجزء الأكبر منها حتى عام 2025. لم يكن التوازن بين زيادة إثارة غضب الجمهور واسترضاء الأسواق التي تسبب غضبها في وصول حكومة ليز تراس إلى مثل هذه النهاية الدراماتيكية، بمثابة ضربة قاضية لاقتصاد الدولة. لكنها تحافظ على نظام فاشل.
الوضع مريع. فقد أصبحت الأسر البريطانية في خضمّ أكبر انخفاض في مستويات المعيشة منذ خمسينات القرن العشرين، ولكن يبدو أن السيد سوناك لا يعرف الكثير عن كيفية عكس ذلك. والوعود الغامضة بخفض التضخم لا تفيد كثيراً في تحقيق تحسن فعلي في حياة الناس. وإذا أضفنا إلى هذا جهداً مشكوكاً في إقناع المتقاعدين الجدد بالعودة إلى العمل والخطط الرامية إلى إلغاء القيود التنظيمية المفروضة على «سيتي أوف لندن»، والتي تم التخلي عن بعضها بالفعل، فإن الانطباع العام هو أن أحد الزعماء أساء أداء وظيفته وصار ضعيفاً.
لا يفيد أن السيد سوناك بدأ ولايته بأخطاء غير ضرورية، ليس أقلها إعادة تعيين سويلا برافيرمان وزيرة للداخلية بعد أقل من أسبوع من إقالتها بسبب انتهاك أمني خطير. من الواضح أن تركيز السيدة برافيرمان على تعميق بيئة معادية للمهاجرين بشكل غير إنساني كان أكثر إقناعاً من سجلها الحافل بعدم الكفاءة، والزلّات، والجهل التام. كما أدى التعامل المتخاذل اللاحق مع فضيحة التنمر، حيث رفض السيد سوناك إقالة عضو في مجلس الوزراء متهم بارتكاب سوء السلوك المتسلسل، إلى زيادة تشويه سمعة رئيس الوزراء قبل أن يبدأ تقريباً.
تخلى السيد سوناك، الذي يكافح من أجل إدارة حزبه، عن سياساته الرئيسية استجابةً للضغوط الداخلية. ففي ديسمبر (كانون الأول) على سبيل المثال، ألغت الحكومة الخطط الرامية إلى فرض أهداف بناء المنازل الإلزامية المطلوبة بشدة للمجالس المحلية، وأنقذت السيد سوناك من تمرد أعضاء البرلمان. ولتفادي أمر آخر، خفف رئيس الوزراء من الحظر المفروض على مزارع الرياح البرية التي كان قد أيَّدها سابقاً.
لكن عندما يتعلق الأمر بكبرى معاركه، فقد أظهر السيد سوناك بالفعل ميلاً إلى عدم المرونة بدلاً من التفاوض. وفي مواجهة أكبر موجة من الإضرابات في القطاع العام منذ جيل كامل، كان رفض رئيس الوزراء إبرام صفقات مع زعماء النقابات سبباً في تردي سمعته بوصفه «مفقوداً في المعركة». وبدلاً من ذلك، كشف السيد سوناك النقاب عن اعتداء على الحق في الإضراب، وطرح قوانين جديدة تتطلب «مستويات دنيا من الخدمة» في الخدمات الرئيسية، وتترك النقابات مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات القانونية إذا لم يتم الوفاء بها.
إنه نهج يضعه في خلاف أكبر مع الرأي العام، حيث يكون دعم إضراب العاملين في القطاع العام كبيراً. كما أنه ينمّ عن غياب الحس السياسي السليم. وحتى مارغريت ثاتشر قدمت للعاملين في القطاع العام زيادة بنسبة 25 في المائة في الأجور لدى وصولها إلى منصبها عام 1979، لإنهاء الإضراب المتجدد. الاستياء من نهج السيد سوناك أكسبه توبيخاً نادراً من النظام الملكي. استخدم الملك تشارلز الثالث المعتلي عرشه حديثاً خطاب عيد الميلاد للإشادة «بالعاملين في مجالي الصحة، والرعاية الاجتماعية، والمعلمين، بل جميع العاملين في الخدمة العامة».
من شأن إجراءات السيد سوناك الواضحة أن تسفر عن الإسراع بنهاية المملكة المتحدة نفسها. هناك معركة حول مشروع قانون جديد للاعتراف بالنوع الاجتماعي الذي أقرّته الحكومة الاسكوتلندية، والذي من شأنه أن يسهّل على المتحولين جنسياً تغيير جنسهم القانوني، وتصاعدت تلك الأزمة إلى مستوى الكارثة الدستورية بعد أن استخدم السيد سوناك حق النقض (الفيتو) لعرقلة القانون. وهذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها حق النقض منذ سنّه في عام 1998، وهو قرار اتُّخذ من دون مبرر قوي. فقد تعهدت الوزيرة الأولى في اسكوتلندا «بالدفاع بقوة» عن مشروع القانون في المحكمة، وهو ما من شأنه أن يصبّ البنزين على حركة الاستقلال المتصاعدة بالفعل.
بعد الاضطرابات التي حدثت عام 2022، والتي تحولت فيها بريطانيا إلى رمز للخلل السياسي والاقتصادي، تمنى الكثيرون أن يكون السيد سوناك رجلاً قادراً على تحمل المسؤولية بصدق. غير أن الأشهر الثلاثة الأولى من ولايته كانت مُخيبة للآمال. السيد سوناك، في مواجهة حزب مُضطرب ومعارضة تتقدم في استطلاعات الرأي... يبدو أنه عام طويل بحق.
* خدمة «نيويورك تايمز»