إيميلي يلين
TT

أميركا... صدى التاريخ العنيف يتكرر

في 3 أبريل (نيسان) 1968، قبيل إلقاء دكتور مارتن لوثر كينغ الابن، ما تبين لاحقاً أنه آخر خطاباته والذي حمل عنوان «لقد وصلت إلى قمة الجبل» في مدينة ممفيس، التي كانت تعجّ بعمال نظافة مضربين عن العمل، اعتلى جيمس لاوسون الابن وهو زميل وصديق لدكتور كينغ، المنبر، وتحدث بشغف إلى الحشود عن مراهق يُدعى لاري بين، كان ضباط شرطة قد صوبوا قبل ذلك ببضعة أيام النار تجاهه، وأردوه قتيلاً في مدخل بيت بمشروع المنازل، حيث كان يعيش، من دون علم والدته التي كانت في منزلها، الذي كان عبارة عن شقة لا تبعد سوى مائة ياردة عن ذلك الموقع.
خلال الشهر الحالي أصبح تاير نيكولاس، الذي يعيش في ممفيس ويبلغ من العمر 29 عاماً، آخرَ رجل أسود ينضم إلى تلك السلسلة المريعة من الانتهاكات التي تربط تلك اللحظة التي حدثت منذ 55 عاماً باللحظة الآنية. تم اتهام خمسة ضباط شرطة في ممفيس بارتكاب عملية اختطاف كبيرة وعنيفة، وجريمة قتل من الدرجة الثانية بحق السيد نيكولاس، الهاوي والمتحمس لركوب ألواح التزحلق، وهو مصور فوتوغرافي كان يعمل في النوبة المسائية بشركة «فيديكس».
أخذ الضباط ينهالون بالضرب عليه من دون رحمة أو شفقة، وتم سماعه في مقاطع مصورة أثناء الواقعة وهو يقول: «أنا أحاول الوصول إلى المنزل فحسب»، وأخذ ينادي على والدته، كما فعل جورج فلويد عام 2020، والتي لم تكن تعلم بوجوده في تلك اللحظة، رغم أنها كانت في منزلها الذي يقع على بعد أقل من مائة ياردة من مكان الواقعة.
أخبر لاوسون الحشود في تلك الليلة عام 1968، عن قول الذين يدافعون عن ارتكاب الشرطة للقتل: «لقد كانوا يقومون بوظيفتهم فقط»... مع ذلك رد لاوسون على ذلك قائلاً: «إذا كانت وظيفتهم تتطلب إلصاق بندقية بالجزء الأوسط من جسد شاب في السابعة عشرة من العمر، كان مرتبكاً ويرجوهم ألا يطلقوا النار عليه، فنحن بحاجة إلى...»، ولم يتمكن لاوسون من إنهاء جملته لأن تلك الكلمات، التي سوف تتردد بعد عقود لاحقة خلال هتاف متظاهرين «الأيدي إلى الأعلى، لا تطلقوا النار»، في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري، أثارت الحضور وجعلتهم يصيحون ويصرخون ويصفقون بعنف.
بعد قليل رفع صوته وأعلن أنه «قد حان الوقت لتخليص ممفيس وأهلها» من وحشية الشرطة، وأضاف قائلاً: «نريد أن نرى نهاية لذلك الأمر إلى الأبد».
في اليوم التالي تم اغتيال دكتور كينغ، وفي عام 2023 لم تتحقق أمنية «إلى الأبد» بعد.
يمكن للمرء أن يرصد أنماطاً متكررة مماثلة من قيام رجال شرطة بتعذيب وقتل أشخاص من غير البيض، في مدن كثيرة في الولايات المتحدة منذ بداية تطبيق القانون في هذا البلد.
إنه تاريخ متجذر في دوريات ملاحقة الرقيق، والجماعات المسلحة التي كانت مهمتها حماية حياة ذوي البشرة البيضاء ومصالحهم من أي تمرد من جانب السود المستعبدين. مع ذلك، الحزن والظلم والقهر الناتج عن تلك الأنماط المنهجية عميقة للغاية في ممفيس، حيث يظل ذلك باقياً ومتجلياً في موسيقى مثل الـ«راب» والـ«سول» والـ«بلوز» والـ«روك آند رول» التي أهدتها هذه المدينة إلى العالم.
بعد ثلاث سنوات من مقتل باين عام 1968، تم اتهام عديد من الأفراد في سلطات تنفيذ القانون بالتورط في مقتل إيلتون هايز، شاب في السابعة عشرة من العمر، وتم ضربه حتى القتل في مصرف مياه بعد مطاردة عالية السرعة.
كذلك أثارت جريمة قتل هايز عام 1971 انتفاضات واحتجاجات في ممفيس لمدة خمسة أيام، وتمت تبرئة الضباط.
وفي عام 1974 لاحق ضابط شرطة في ممفيس شاباً في الخامسة عشرة من العمر كان متهماً بسرقة محفظة تحتوي على عشرة دولارات، وأطلق عليه النار في مؤخرة رأسه، فقتله وهو يهرب.
تم عرض القضية على المحكمة الأميركية العليا، وتم وضع معيار يحدد مبررات إطلاق الشرطة النار على المشتبه بهم أثناء الهروب.
كان اسم الضحية الشاب في قضية ممفيس هو إدوارد غارنر. وبعد أربعين عاماً قتل ضابط شرطة رجلاً أسود يدعى إيريك غارنر عن طريق الخنق على رصيف مشاة في ستاتن آيلاند.
تصل هذه السلسلة السامة إلى أبعد من ذلك في عام 1866 عندما قتلت حشود من الغوغاء - بقيادة ضباط شرطة مدينة ممفيس من ذوي بشرة بيضاء كانت غاضبة من جنود الاتحاد الأسود، الذين كانوا يتجولون بحرية في المدينة بعد انتهاء الحرب الأهلية بطريقة منهجية - 46 شخصاً من ذوي البشرة السوداء في الشوارع.
وظل أولئك الغوغاء مهتاجين وثائرين لثلاثة أيام يغتصبون السيدات ذوات البشرة السوداء، وينهبون ويحرقون منازل ومدارس وكنائس ذوي البشرة السوداء، في الجزء نفسه من المدينة التي شهدت مقتل باين، ودكتور كينغ منذ 102 عام.
لم يتم توجيه أية اتهامات ضد أي من رجال الشرطة، رغم تأثير تقرير صادر عن الكونغرس مكوّن من 400 صفحة عن فظائع الهجمات، في كثير من أعضاء الكونغرس، ويُقال إن التقرير قد أثر أيضاً في عملية تمرير التعديل رقم 14.
بعد ستة وعشرين عاماً، في عام 1892، هجم رجال من الشرطة مع مدنيين مسلّحين، على حي راقٍ قريب، وألقوا القبض على عشرات الرجال السود من دون أي أسباب منطقية. بعد بضعة أيام، دخلت مجموعة من الرجال البيض، بسهولة إلى السجن، وخطفوا 3 من أنجح الشخصيات القيادية في مجال الأعمال، وقتلوهم في حقل بالقرب من نهر المسيسيبي. وكان من بين أولئك الرجال صديق مقرب من إيدا ويلز، مدرسة في ممفيس وصحافية، وقد أثار مقتلهم تدشينها حملة دولية مناهضة للقتل.
خلال الأسبوع الماضي، ومع تأهب المدينة لنشر مقاطع مصورة لمهاجمة الشرطة لنيكولاس، دعا إيرل فيشر، راعي أبرشية ممفيس، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي إلى تدخل شخصيات قيادية على المستويين المحلي والقومي.
إنه ناقد محترم للسيطرة الزائدة على الحد لرجال الشرطة في ممفيس، وخصوصاً منذ قتل ضابط شرطة شاباً في التاسعة عشرة من العمر يدعى داريوس ستيوارت عام 2015 في إشارة مرور.
وكتب فيشر: «لدي مشاعر تجاه كيف يصوّر الأشخاص، الذين قاوموا أو حاولوا اختزال دعواتنا إلى الإصلاح خلال السنوات العديدة الماضية، أنفسهم الآن أبطالاً في طليعة ومقدمة التغير البنيوي والمنهجي».
ربما لم يكن نيكولاس يعرف كل التفاصيل الخاصة بذلك التراث القاسي الذي كان يكبله، وهو يحاول تهدئة جحافل رجال الشرطة الذين كانوا يبرحونه ضرباً، وهو يحاول الهروب ويصرخ قائلاً: «أماه، أماه»، لكن ذلك لا يعني أنه لم يكن يعرف في أعماقه، أو ربما من شريط الحمض النووي الخاص به، أو من تربة ممفيس التي يقف فوقها، أنه قد ينتهي به الحال إلى اللحاق بمَن سبقوه ضمن سلسلة الإرهاب التي تمتد عبر التاريخ الأميركي.
أخبر زوج والدة نيكولاس أحد المراسلين الصحافيين بأنه كان منفطر القلب، وهو يشاهد مقطعاً مصوراً للضباط وهم يتناوبون على ركل «ابنه» وضربه بالهراوات، وكأنهم فعلوا هذا مرات كثيرة قبل ذلك.
ألا يشبه ذلك الشاكلة التي استجابت عليها الأمة طوال قرون لعنف الشرطة ضد السود؟ ألم يحن الوقت بعد إلى وقف التعامل مع وحشية الشرطة كأنها مجرد مشكلة أخرى تتم معالجتها بإجراءات منقوصة؟ أم أن هذه اللحظة ستصبح لحظة أخرى تشهد استمرار هذا الخط العنصري الممتد عبر أمتنا، معبراً عن الهوية الأميركية مثل فطيرة التفاح، وكرة القاعدة، وإيلفيس؟