علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

وللمثقفين خرافاتهم وحماقاتهم

تركزت مقالات عديدة لعبد الرحمن شاكر، كان ينشرها في صحف ومجلات عربية، منها مجلة «الهلال»، على الكتابة عن اليهود، انطلاقاً من نظرية أرثر كوستلر في أصل اليهود غير السامي في كتابه «القبيلة الثالثة عشرة». وقد جمع هذه المقالات في كتابين. الكتاب الأول هو «دولة الخزر الجديدة أو إسرائيل»، صادر عن دار «مصباح الفكر» ببيروت عام 1981، والكتاب الثاني هو «المماليك الصهاينة والمصير العربي» صادر بالقاهرة من دون ذكر للجهة الناشرة ولا تاريخ النشر. ولقد أرخ عبد الرحمن شاكر المقدمة التي كتبها لكتابه هذا بـ15 - 4 - 1984، فربما يكون تاريخ نشره في هذا العام.
كتاب «القبيلة الثالثة عشرة» لآرثر كوستلر كتاب ذائع لدى القوميين واليساريين في العالم العربي منذ أن صدر باللغة الإنجليزية في بريطانيا وفي أميركا عام 1976.
في النسخة البريطانية كان عنوانه «القبيلة الثالثة عشرة: إمبراطورية الخزر وتراثها»، وفي النسخة الأميركية كان عنوانه «القبيلة الثالثة عشرة»، والذي ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية من النسخة البريطانية ترجم عنوان الكتاب مع عنوانه الشارح، والذي ترجمه من النسخة الأميركية ترجم عنوانه كما هو في هذه النسخة، أي بدون عنوان شارح كما النسخة البريطانية.
وفي بعض ترجمات هذا الكتاب إلى العربية، ترجم العنوان الأساسي إلى «السبط الثالث عشر»، وذلك لأن البعض رأى أن «قبيلة» في هذا العنوان بالإنجليزية (THETHEIRTEENTH TRIBE) من الأوفق والأدق أن تترجم إلى «سبط» وليس إلى «قبيلة». فحسب ما رأوا أن أسباط بني إسرائيل أو يعقوب عددهم اثني عشر، والكتاب يفند أن اليهود المعاصرين في معظمهم أخلاف لهؤلاء الأسباط الاثني عشر. فهو يؤكد أنهم في معظمهم متحدرون من أسلافهم، يهود الخزر الذين هم في الأصل ليسوا يهوداً بل وثنيون من أرومة تترية - تركية - منغولية اعتنقوا اليهودية في القرن الثامن الميلادي. وأصلهم آري وليس سامياً. ولا يمتون لأرض فلسطين بصلة سكنى قديمة.
والحق أن ترجمة الكتاب إلى «القبيلة الثالثة عشرة» هي الترجمة الأوفق والأدق. فتوراتياً الأسباط الاثنا عشر تشعبت منهم اثنتا عشرة قبيلة عبرانية. والكتاب في عنوانه يشير إلى هذه القبائل الاثنتي عشرة، وليس إلى الأسباط الاثني عشر، أولاد يعقوب.
الإسلاميون في العالم العربي لديهم كتاب اشتهر عندهم لبنيامين فريدمان ترجمه زهدي الفاتح إلى العربية منذ عام 1974 بعناوين مختلفة. فمرة «يهود اليوم ليسوا يهوداً»، ومرة «يهود العالم ليسوا يهوداً»، ومرة «اليهود ليسوا يهوداً». وفي طبعات منه كتب زهدي الفاتح «ترجمة»، وفي طبعات أخرى كتب «إعداد»!
قرأت مقالات مصرية تعيد فضل السبق فيما قاله آرثر كوستلر في كتابه «القبيلة الثالثة عشرة» إلى جمال حمدان وكتابه «اليهود أنثروبولوجياً» الصادر ضمن سلسلة كتاب «الهلال» عام 1967.
وقد لا يعلم هؤلاء أن الكتاب المشهور عند الإسلاميين (يهود اليوم ليسوا يهوداً)، الذي لم يكتب له زهدي الفاتح مقدمة تعرف بالكتاب وبمؤلفه بنيامين فريدمان، صادر بالإنجليزية عام 1954.
وقد غيّر زهدي الفاتح عنوان الكتاب الأصلي إلى «يهود اليوم ليسوا يهوداً»، أما عنوانه الأصلي فلقد كان: «الحقائق هي الحقائق: حقيقة الخزر».
بنيامين هاريسون فريدمان رجل أعمال أميركي تحول في منتصف عمره من الديانة اليهودية إلى المسيحية الكاثوليكية، رغم أنه كان في الأصل ناشطاً في الحركة الصهيونية. وبعد تحوله إلى المسيحية الكاثوليكية ناهض الصهيونية، والماسونية والشيوعية والديانة اليهودية، وأنكر الهولوكست. وعدَّ قضية «معاداة السامية» في أوروبا وفي أميركا قضية غير ذات معنى، استناداً إلى نظرية «القبيلة الاثنتي عشرة».
وهذه النظرية - أو لنقل الفكرة - فكرة قديمة. فلقد كانت مثار نقاش في أوروبا منذ القرن التاسع عشر، أيدها أرنست رينان وغيره. وأيدها عدد من الباحثين اليهود. ولهذه الفكرة جذور بعيدة يرجع تاريخها إلى أواخر عصر الدولة الأموية.
إن فكرة «القبيلة الثالثة عشرة» - كما ترون - ليس فيها لجمال حمدان سبق ولا ريادة.
رحم الله هذا العالم الجغرافي الكبير، فمنذ أن توفي في 17 أبريل (نيسان) 1993 مختنقاً بالغاز في شقته الصغيرة التي كان يعيش فيها بعزلة عن الناس ووحيداً من دون أسرة، لتسرب الغاز من أنبوبة البوتاجاز، فإن مجموعة من المثقفين المصريين إلى يومنا هذا تصر على أنه قتل بمؤامرة صهيونية إسرائيلية نفذها جهاز الموساد، عقاباً له على تأليفه كتاب عن اليهود ونسبهم الخزري عام 1967، وللحيلولة دون إكماله لمؤلفات عن اليهودية والصهيونية كان يزمع إصدارها في قادم الأيام!
ولعل الإيضاح التاريخي السابق قد يساعد هؤلاء على الإقلاع عن تخاريفهم. ونحن نعرف كما أن للعوام تخاريف وحماقات في التفسير والتفكير، فإن للمثقفين - أيضاً - تخاريفهم وحماقاتهم في التفسير والتفكير. وكذلك هم يروون قصصاً حصلت لهم تنم عن سذاجة مفرطة.
ومن هذه القصص الساذجة ما رواه عبد الرحمن شاكر في مقال من مقالات كتابه «المماليك الصهاينة والمصير العربي» عنوانه «أرستقراطية العالم السرية: الخزر الأشكناز».
السذاجة المفرطة في قصته ستتجلى لكم في خاتمتها.
يقول: «شكل آخر من أشكال السيطرة الدولية لليهود لمسته في بريطانيا في صيف عام 1988، كنت قد شرعت في شرح قضية (الخزر) لمجموعات من الشباب المصريين والعرب الذين يقيمون في بريطانيا للدراسة والعمل، وبعضهم أساتذة في الجامعات هناك. ووجدوا أن هذا المنهج من كشف حقيقة الخزر وزيف نسبتهم إلى إسرائيل، أداة صالحة في مواجهة الدعاية الصهيونية... وكان أن شرعنا في طبع بعض المنشورات لتوزيعها على الشباب العربي، لتدريبهم على ذلك المنهج!
وعند عودتي إلى الفندق ذات يوم من تلك الأيام في لندن، فوجئت برجل أفريقي ضخم الجثة يبدأني بالحديث على هذا النحو:
- ينبغي أن تعمل في خدمة الرب!
* من أنت؟
- أنا قس مسيحي!
* أما أنا فعربي أرى أن خدمتي للرب هي في النضال ضد سيطرة اليهود على بلادي العربية.
- أنصحك – يا صديقي – ألا تتفوه بكلمة ضد اليهود في هذا البلد، فهم الذين يحكمونه!
وكان من طبيعة الأمور، أن أرحل وشيكاً عن ذلك البلد، الذي يحكمه اليهود!».
خاتمة النضال النظري وبدء النضال العملي في بريطانيا في هذه القصة حول إقناع الناس في بريطانيا على اختلاف أديانهم وجنسياتهم بنظرية «القبلية الثالثة عشرة»، هي أنه غادر بريطانيا بعد حواره مع ذلك القس البريطاني ضخم الجثة ذي الأصل الأفريقي!
وقد قال هذا الخبر جاداً وبكامل وقاره الثوري، لا مازحاً أو مستظرفاً، كما شيمة أحبائنا المصريين.
آرثر كوستلر ولد في بودابست عام 1905، لأب يهودي هنغاري وأم يهودية نمساوية. اعتنق الشيوعية، وانضم إلى الحزب الشيوعي الألماني في آخر يوم من شهر كانون الأول عام 1931، زار الاتحاد السوفياتي بدعوة من منظمة الكتاب الثوريين الدولية للتجول في الاتحاد السوفياتي وتأليف كتاب دعائي عنه. وفي ذلك التاريخ - كما يفيد - لم يكن صدر له أي كتاب.
أمضى عاماً في الاتحاد السوفياتي، نصفه رحلات منظمة ومنسقة في أنحائه برعاية رسمية سوفياتية، ونصفه الآخر قضاه في مدينة موسكو ومدينة خاركوف، منكباً على تأليف الكتاب المطلوب منه.
ويحدثنا عن كتابه هذا، فيقول: «وهكذا بعت القصة ذاتها (هذه القصة كان أخبر قبلها أنها نشرت في ألمانيا حديثاً)، قبل زيارته للاتحاد السوفياتي إلى عشرة من المجلات الأدبية المختلفة بين لينينغراد وطسقند. كما بعت حقوق نشر الكتاب الذي لم أكتبه بعد بالروسية والألمانية والأكرانية والكردية والأرمنية مقابل ثروة تسلمتها مقدماً... وقد ظهرت طبعته الألمانية فعلاً في خاركوف تحت عنوان آخر، أما النسخ الروسية الكردية والأرمنية إلى... فإنها – على ما أعلم – لم تر الضوء حتى الآن».
ترك الحزب الشيوعي الألماني في ربيع عام 1938، ولم يكتف بتركه، بل أعلن كفره بالشيوعية كفراً مطلقاً، فمقتها وكاشفها بالعداوة، وناضل ثقافياً وأدبياً ضدها.
بدأت صلته بفلسطين قبل أن يكون شيوعياً عام 1926، فلقد أقام فيها في هذا العام، ثم عاد إلى ألمانيا عام 1927، وذهب إلى فلسطين مرة ثانية للعمل مراسلاً لصحيفة يتابع الأخبار السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ويكتب عنها وبقي في فلسطين حتى عام 1929، ثم طلب من الصحيفة الألمانية نقل عمله إلى باريس.
زيارتاه إلى فلسطين أنه كان سببهما منخرطاً في الحركة الصهيونية من مطلع شبابه.
أيام كان شيوعياً ذهب إلى إسبانياً بصفته صحافياً لنقل وقائع الحرب الأهلية الإسبانية التي بدأت مع انقلاب الجنرال فرانشيسكو فرانكو على الجمهورية الثانية في الثامن عشر من يوليو (تموز) عام 1936، وكانت في حوزته بطاقة صحافية تثبت أنه يعمل في جريدة فرنسية لم يكن - كما قال - كتب فيها كلمة واحدة.
بعث رسائله الصحافية من الحيز الجغرافي في إسبانيا الذي يقع ضمن سلطة حكومة الجنرال فرانكو ليس إلى جريدة «بيستر لويد» الباريسية التي يحمل بطاقتها، وإنما إلى جريدة «النيوز كرونيكل» اللندنية. عرف فرانكو أنه شيوعي، وأنه لشيوعيته كان يتجسس على قواته، تحت غطاء صحافي، وأنه يمد الجيش الجمهوري بمعلومات عنها. فطارده إلى أن قبض عليه، وأودعه السجن، وحكم عليه بالإعدام.
وما يثير الريبة حوله، أن الحكومة البريطانية - مع أنه كان شيوعياً في الوقت ذلك - ضغطت على فرانكو إلى أن أفرج عنه في يونيو (حزيران) عام 1937، بعد أن أمضى في السجن أربعة أشهر.
وتكرر هذا الأمر في عام 1939، فلقد زجت الحكومة الفرنسية به في سجن اللاجئين والمشردين وغير المرغوب بهم، للاشتباه به أنه عميل أجنبي، وكان في ذلك العام مع بدء الحرب العالمية الثانية يقيم في جنوب فرنسا، وتدخلت الحكومة البريطانية فأطلق سراحه. بعد تركه للشيوعية استأنف نشاطه في الحركة الصهيونية.
في عام 1944 عمل في الاستخبارات البريطانية تحت مظلة وزارة الإعلام البريطانية، وكان يراسل صحفاً أوروبية وأميركية حتى عام 1948، وفي هذا العام قام بتغطية إخبارية لتلك الصحف لتأسيس دولة إسرائيل، وأبرز أعماله الصحافية في هذا العام أنه قام بتغطية إخبارية لتلك الصحف. وفي هذا العام حصل على الجنسية البريطانية. وأهم عمل قام به في خدمة الفكرة الصهيونية هي روايته «برج عزرا» الصادرة عام 1947.
تخلى عن الفكرة الصهيونية بعد عام 1948، وتخلى معها عن إيمانه بديانته اليهودية. ومن ناحية صهيونيته، يمكن أن نقول إنه لم يكن صهيونياً متعصباً ومتطرفاً مقارنة بصديقه مناحيم بيغن.
آرثر كوستلر اسم بغيض من الشيوعين العرب وغيرهم من الشيوعيين في العالم. وحكمهم عليه أنه فاقد للمصداقية، لتخليه عن الشيوعية أولاً، ولأنه - ثانياً - أدان الستالينية وفضحها مبكراً في روايته «ظلام في الظهيرة» الصادرة عام 1940، وأسهم إسهاماً رئيساً في ظهور كتاب «الإله الذي فشل» الذي صدر عام 1949، و«الإله» في هذا العنوان هو الشيوعية.
ففكرة هذا الكتاب نشأت عند السياسي العمالي البريطاني رتشارد كروسمان، من مناقشة بينه وبين صديقه آرثر كوستلر، مداره الشيوعية والأسلوب الناجع في مكافحة الشيوعية. وقد رأى الأخير أن الذين لهم تجربة اعتناق سابقة لها هم الذين يمتلكون العدة اللازمة في هز الاعتقاد بها.
ثم تفرع الحديث إلى الأسباب التي جعلت فلاناً من الناس يعتنق الشيوعية، ولماذا هذا الفلان من الناس تخلى عنها؟ ولماذا فلان آخر من الناس ظل معتقداً بها. فروى كستلر قصته مع اعتناق الشيوعية. وهنا برزت فكرة الكتاب عند ريتشارد كروسمان، واتفق مع كوستلر على أن المستكتبين لرواية تجربتهم مع الشيوعية يقتصرون على ستة من الكتاب والصحافيين، من ضمنهم صديقه آثر كوستلر.
هؤلاء الستة الذين سردوا تجربة اعتناقهم للشيوعية وأسباب التخلي عنها في ذلك الكتاب، والذين تصدر أسماءهم اسمُ آثر كوستلر، هم: إينازيو سيلوني، أندريه جيد، ريتشارد رايت، لويس فيشر، ستيفن سبندر.
ستيفن سبندر كان عضواً في الحزب الشيوعي لبضعة أسابيع. ولويس فيشر لم يلتحق بحزب شيوعي. وريتشارد رايت اجتذبته الماركسية بمثاليتها ولم ينتم إليها حزبياً. وكذلك كان أندريه جيد. ويختلف عنهما كوستلر والإيطالي إينازيو سيلوني فلقد انغرسا في النشاط الحزبي الثوري، وكانت كتاباتهما عن الشيوعية أعمق من كتابات أولئك الأربعة.
هذا الكتاب أول من ترجمه عباس حافظ بعنوان محوّر قليلاً هو «المعبود الذي هوى: دراسات في الماركسية» عام 1951، وصدر عن «دار النيل» بالقاهرة.
وقد ترجمه عن طبعة لاحقة للطبعة الأولى في الإنجليزية. لأن العنوان الشارح في طبعته الإنجليزية كان مختلفاً. فالعنوان الشارح في طبعته الأولى كان «فشل الإله: اعترافات».
تحوير عباس حافظ القليل للعنوان الأصلي مبرر، لأن الحساسية الإسلامية العقدية في استعمال اسم الإله في غير سياقه الأصلي والصحيح في ذلك الوقت لا تقبل مثل هذه الطريقة في الاستعمال وذلك العنوان الصارخ.
وثاني ترجمة للكتاب قام بها الدكتور فؤاد حمودة بعنوان محور كثيراً، وهو «الصنم الذي هوى». وفوق هذا العنوان كتب بمانشيت صحافي طويل جاء فيه: ستة من كتاب أوروبا الكبار يحدثوننا عن إيمانهم بالشيوعية ورحلتهم إليها... ثم عن رحلة العودة بعد أن يئسوا منها.
هذه الترجمة صدرت في طبعتها الأولى عام 1960، وسبب التحوير الكبير في العنوان الأصلي أنه طبع في دار نشر من دور نشر الإسلاميين، وهي «المكتب الإسلامي» بدمشق.
هاتان الترجمتان تعددت طبعاتهما منذ طبعتيهما الأولى إلى وقت قريب.
في مطلع السبعينات الميلادية، صدر عن دار «الكتاب العربي» كتاب اسمه «الخمور الفكرية» باسم آرثر كوستلر، وتكررت طباعته كثيراً. هذا الكتاب سرقت مادته من أحد ترجمتي قصة كوستلر مع الشيوعية في كتاب «الإله الذي فشل».
الترجمة الأولى للكتاب قرأها القارئ العادي أو القارئ العام. أما الترجمة الثانية، فكان الكتاب الإسلاميون يحيلون إليها، وهي الترجمة المنتشرة لدى قراء الصحوة الإسلامية.
عباس حافظ بك المتوفى عام 1957 اسم معروف لدى أجيال ثقافية قديمة. أما الدكتور فؤاد حمودة فهو اسم مجهول للقارئ العربي، الذي قرأ ترجمته سيعتقد أنه سوري، لأنه أرفق باسمه هذا التعريف: «المدرس في جامعة دمشق». وهذا الاستنتاج غير صحيح، فهو مصري كان يدرس اللغة الإنجليزية في تلك الجامعة.
ولمعرفة موقف الشيوعيين المصريين من الترجمة الأولى للكتاب، أنقل لكم ما قاله وديع فلسطين عنها في مقاله «أشياء وأشياء من الماضي القريب»، المنشور في مجلة «الهلال»، عدد ديسمبر (كانون الأول) 1999.
يقول: «ومن قبيل الاستطراد أذكر أن عباس حافظ ترجم كتاباً عنوانه (المعبود الذي هوى)، فثار عليه الشيوعيون قائلين إن معبودتهم الشيوعية لم تهو بعد، واتهموه بخدمة الاستعمار بإصداره هذا الكتاب، لا سيما لأنه كان يعمل بوكالة (رويتر) من الباطن».
وأزيد على ما قاله أني قرأت في مجلة مصرية ضاع - يا للأسف - اسمها مني الآن، أن السفارة البريطانية كانت توزع كتاب «المعبود الذي هوى».
وهذا الاتهام السياسي لعباس حافظ كان مؤذياً لوطنية هذا الرجل، فيجب أن نتذكر أن مصر وقتها كانت ضمن النفوذ والاحتلال البريطاني. وللحديث بقية.