إزكيل إيمانويل وماثيو غيدو
TT
20

الأطفال في أميركا بين «كوفيد» و«الحصبة»

قبل 23 عاماً، أعلنت «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» أنه تم القضاء على الحصبة في الولايات المتحدة. وفي الشهر الماضي، انضمت مراكز «السيطرة على الأمراض والوقاية منها» إلى منظمة الصحة العالمية للتحذير من أن المرض، الذي يمكن أن تمنعه اللقاحات، قد بات يشكل «تهديداً وشيكاً في كل مناطق العالم». ماذا حدث؟ انخفضت معدلات التطعيم في مرحلة الطفولة منذ بداية جائحة «كوفيد 19». في الأسابيع الأخيرة، كان مسؤولو الصحة العامة في منطقة كولومبوس، بولاية أوهايو، وضواحيها يكافحون تفشي مرض الحصبة؛ حيث جرى الإبلاغ عن أكثر من 70 حالة لدى الأطفال غير مطعمين، ولم يجرِ الإبلاغ عن أي حالة بين الأطفال الذين جرى تطعيمهم بالكامل.
كانت معدلات التطعيم الروتيني للأطفال في الولايات المتحدة تاريخياً من بين الأفضل في العالم. لكن خلال السنة الأولى من الوباء، لم يتلقَ أطفال البلاد 9 ملايين جرعة لقاح لأمراض مثل شلل الأطفال والحصبة، وانخفضت معدلات التطعيمات الرئيسية الثلاثة للأطفال؛ الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، والجدري المائي، والدفتيريا والكزاز والسعال الديكي، بمعدل 1.3 نقطة مئوية، مع انخفاض المعدلات في 7 ولايات وكثير من المدن إلى ما دون 90 في المائة. ماذا تعني هذه الأرقام في مناطق انتشار المرض؟ بالنسبة للحصبة، على سبيل المثال، يكون الانخفاض كبيراً بسبب ما يعرف بعتبة مناعة القطيع. فإذا كانت نسبة السكان المحصنين ضد المرض أعلى من تلك العتبة، فسوف ينخفض انتشار المرض. وبالنسبة للحصبة، تقدر العتبة بنسبة 95 في المائة. وفي العام الدراسي 2021 - 2020 كان معدل التطعيم لطلاب رياض الأطفال 93.9 في المائة، أي أقل من العتبة، لذلك من المرجح أن تستمر الحصبة في الانتشار. لا ينبغي الاستخفاف بالحصبة، إذ إن الفيروس شديد العدوى. فوفقاً لـ«مركز السيطرة على الأمراض»، إذا كان شخص واحد مصاباً به، فإن ما يصل إلى 90 في المائة من الأشخاص المقربين من ذلك الشخص غير المحصنين سيصابون أيضاً بالعدوى. ويمكن أن يعيش الفيروس ما يصل إلى ساعتين في الهواء... ويموت واحد إلى 3 من كل 1000 طفل مصاب بالحصبة بسبب مضاعفات الجهاز التنفسي والعصبي. أيضاً تشير البيانات المبكرة إلى أن معدلات التغطية (إعطاء اللقاحات) مستمرة في التراجع. فعلى سبيل المثال، انخفضت معدلات التحصين في كولورادو بين رياض الأطفال بنسبة 5.2 نقطة مئوية عن العام الدراسي 2020 - 2021. أُلقي باللوم في الانخفاضات الأخيرة في الولايات المتحدة على نطاق واسع على الاضطرابات في خدمات الصحة العامة الناجمة عن الوباء. لكن هذا التفسير غير صحيح إلى حد كبير، إذ يبدو أن الانخفاض هو أيضاً نتيجة لسياسات معيبة محددة بين الولايات، وهي سياسات قد تؤدي إلى انخفاض أكثر استدامة في معدلات التطعيم. وتشير المقارنات بين الولايات إلى أنه لا يوجد شيء حتمي بشأن ظهور الوباء وانخفاض معدلات التطعيم. إذ على مدى السنوات الثلاث الماضية، ظلت نسبة الأطفال، الذين تلقوا 3 جرعات من اللقاح الذي يحمي من الدفتيريا، والكزاز، والسعال الديكي، مرتفعة باستمرار في فرنسا، وألمانيا، وسويسرا، وإسرائيل، وأستراليا، وشهدت كندا والنرويج زيادات. والانخفاض في لقاحات الحصبة الأوروبية في معظمه حول منطقة الحرب في أوكرانيا وفي مناطق أخرى من أوروبا الشرقية. الآن دعونا ننظر إلى ما يحدث في الولايات المتحدة.
لا تفسر حالات قبول لقاح «كوفيد» ورفضه أسباب التباين بين الولايات بشكل كامل، ولا تفسر الانتماءات الحزبية للجمهوريين أو الديمقراطيين أو قوة نظام الصحة العامة في الولاية أسباب التباين بين ولاية وأخرى. لكن هذا الانخفاض متجذر في السياسات القائمة منذ فترة طويلة في بعض الولايات التي تسمح، على سبيل المثال، بالإعفاءات غير الطبية، وعدم فرض متطلبات التطعيم بشكل صارم، وعدم كفاية حملات الصحة العامة. وإليك كيف يمكن رفع الانخفاض... ينبغي للولايات أن تلغي الإعفاءات غير الطبية. فبعد تفشي مرض الحصبة في العام الدراسي 2014 - 2015 الذي بدأ في ديزني لاند، وافق المجلس التشريعي والحاكم في كاليفورنيا على قانون يلغي بشكل فعال الإعفاءات غير الطبية. النتيجة؛ زيادة قدرها 3.3 نقطة مئوية في معدل التطعيم ضد الحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية، ما يضع الولاية فوق عتبة المناعة للحصبة. وفي ظل الوباء ونقص الموظفين، كان لدى كثير من المدارس وقت أقل لإجراء تقييمات التطعيم أو الاتصال بالوالدين بشأن الوثائق المفقودة. ويجب على الولايات أن توفر الموارد اللازمة لضمان الامتثال. كما يجب السماح للأطفال الذين تبلغ أعمارهم 14 عاماً أو أكثر الحصول من دون إذن الوالدين على جميع اللقاحات المفقودة من شلل الأطفال والحصبة وغيرها من اللقاحات الموصى بها. وفي كثير من الولايات، توجد سوابق لموافقة المراهقين على علاج بعض الأمراض والرعاية النفسية. وفي الوقت الحالي، هناك تأخر لمدة عامين تقريباً في البيانات الفيدرالية حول معدلات التحصين بين رياض الأطفال. عموماً تعتبر اللقاحات من بين وسائل تقليل التكلفة في المجال الطبي. فمن المتوقع أن تمنع التطعيمات الروتينية للأطفال المولودين من عام 1994 إلى عام 2018 ما يقرب من مليون حالة وفاة مبكرة، وتوفر ما يقرب من 1.9 تريليون دولار من التكاليف الاقتصادية، أكثر من 5700 دولار لكل أميركي، بحسب مركز «السيطرة على الأمراض». وبالنسبة للحصبة، قد تنفق الولاية أكثر من مليوني دولار على التصدي لحالة تفشٍ واحدة، بواقع 50 ألف دولار للشخص الواحد في المتوسط، وفقاً لتحليل لتفشٍ حديث في ولاية واشنطن. ولتجنب تفشي الأمراض الخطيرة والمكلفة، ينبغي أن تقدم حلول قابلة للتنفيذ.
* د. إيمانويل طبيب ونائب عميد مؤسسة «المبادرات العالمية» وأستاذ «أخلاقيات الطب والسياسة الصحية» بجامعة بنسلفانيا... وغيدو باحث مساعد للدكتور إيمانويل.