جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

مرحباً بالعام 2023

لا ضرورة تستدعي الإلحاح على مسافرين، على أهبة القيام برحلة، بالتأكد من ربط أحزمة مقاعدهم؛ تحسّباً لما قد يحدث من مخاطر.
نحن المسافرين إلى عام 2023، ندركُ جيداً، عن سابق معرفة وتجارب موروثة وخبرات موروثة، أن وقوعنا بين براثن مطبّات مخيفة حدّ الرعب، أو عواصف هوجاء في الطريق، احتمال لا يمكننا تجاهله تحت أي ظروف، إلا أنّه، في الوقت ذاته، يسرقُ راحة نفوسنا. ولا خيار أمامنا سوى الصبر والانتظار وإحكام ربط الأحزمة، وكثير جداً من الدعاء إلى الله، بأن يقينا مما يحتمل أن يقابلنا من شرور.
الأيادي التي سترتفع، في الأيام القليلة المقبلة، ملوحة بالوداع لعام 2022، ليست سوى صورة سبقت لنا مشاهدتها، مكررة بعدّة نسخ، باختلافات بسيطة، ذات صلة بطبيعة الأمكنة وتحوّلات الأزمنة، وبهدف واحد: تأطير الوداع في محتوى عابر للأجيال. وداع الأعوام الراحلة، ليس كوداع الأحبة، لذلك لا يتطلب ذرف دموع.
النفوسُ والقلوب والعقول والأحلام والأمنياتُ والطموحاتُ تتمايز وتختلف، وهي تستقبل عاماً جديداً، قادماً بأحمال ممكن التكهن بها. وليس في مستطاع أحد أن يعرف، على وجه الدقة، ماهيتها. وهذا، تحديداً، هو ما يجعلنا جميعاً فرائس للقلق. ويجعلنا نتمنّى على الله أن يكون السلام والاستقرار في العالم، من ضمن المحتويات، في جراب العام الجديد.
الأمنياتُ، بطبيعتها، متاحة ومشروعة ومجانية للجميع، مثل الأحلام والأوهام. إلاّ أن تحققها من عدمه أمرٌ مختلف؛ لأنّه في يد القدر.
حدثان كبيران يميّزان عام 2022؛ الأول منهما عسكري بأغراض سياسية، حدث في شهر فبراير (شباط)، بصدور أمرٍ بالاجتياح، من قصر الكرملين بموسكو، إلى القوات العسكرية الروسية المحتشدة على الحدود مع أوكرانيا. تلك البداية المخيفة لعام 2022 لم تكن متوقعة، ولا سهلة التخيّل.
الحشود العسكرية الروسية، من أنواع الأسلحة كافة، كانت جاهزة للتحرك، وتتوعد أوكرانيا بالدمار والهلاك. وفي الوقت ذاته، كانت التصريحات تصدر من قصر الكرملين تنفي نيّة الغزو، ومؤكدة أن قواتها لن تجتاح أوكرانيا.
كان السؤال آنذاك: إذا لم يكن الاجتياح الهدف، فما الضرورة التي تستدعي تحشيد تلك القوات، وتكبيد الخزينة الروسية تكاليف باهظة؟ هناك وسائل عديدة معروفة ومجرّبة لإرسال رسائل التهديد، غير تحشيد القوات!
وها نحن الآن نودع الشهر العاشر، ولم تنتهِ بعد تلك الحرب المهلكة، ولا تبدو في الأفق القريب مؤشرات تفيد باحتمال توقفها، وبدء مفاوضات تقود إلى حل يرضي الطرفين أو الأطراف المتحاربة، ويتيح أمام ملايين المهاجرين والنازحين والمشردين الأوكرانيين، في بلادهم وخارجها، العودة إلى ديارهم، أو ما تبقى منها قائماً، ولم يدمر ويتحوّل إلى أطلال.
من كان يصدق أن نيران الحروب تعود مجدداً للقارة الأوروبية، مهددة السلم الدولي، بعد عقود زمنية عديدة على نهاية الحرب الكونية الثانية، واستتباب السلام؟
الحدث العالمي الثاني، مختلف في الشكل والمحتوى. وجاء قرب نهاية عام 2022، فكان بمثابة حسن الختام.
الحدثُ المعني رياضي. تمثل في العرس الكروي العالمي، الذي أُقيم في ملاعب دولة قطر: بطولة كأس العالم لكرة القدم. وعلى الرغم من الهجمات الإعلامية الشرسة التي تعرضت لها قطر، فإن البطولة نجحت في إضفاء بهجة إلى قلوب سكان العالم، وانصرفت بهم بعيداً عما سببته لهم الحرب الأوكرانية من هموم وقلق ومخاوف، وأعادت الوحدة إلى شعوب الأرض.
العرس الكروي استمر قرابة شهر. وبنهايته عادت الدنيا إلى سابق عهدها، وأطلت مجدداً برؤوسها المخاوف. وعاد المحللون والمعلقون العسكريون إلى سابق سيرتهم على شاشات القنوات التلفزيونية، بخرائطهم الحربية وخطوطها المتداخلة، وإحصائياتهم بأعداد القتلى والجرحى، وما حدث من دمار، وآخر ما استجد من أخبار التحشيدات. تلك العودة المحزنة كانت معروفة لنا، لكن لا مفرّ منها.
هل عام 2023 يحمل لنا البشرى بقضاء عام آخر أحياء من دون خوف من حروب أو كوارث بشرية أو طبيعية؟ سؤال من الجنون الإجابة عنه بالإيجاب. لكنه، في حقيقته، يحمل بين طيّات حناياه المخبأة أمنية إنسانية قديمة، ورثناها أباً عن جد، ذات صلة بحلم إنساني، يرفرف توقاً إلى حياة بشرية خالية من الحروب والقتل والخوف والقلق. وعلى ما يبدو، فإن زمن تحقق ذلك الحلم القديم لم يحن بعد... وهو أمر باعث على الأسف، لكنه لا ينسينا الترحيب بمقدم العام الجديد 2023.