د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

القمة العربية ـ الصينية وشكل العالم الجديد

عقد قادة الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية وجمهورية الصين، القمة العربية الصينية الأولى، بتاريخ 9 ديسمبر (كانون الأول) الجاري في مدينة الرياض بالسعودية، وذلك بهدف تطوير العلاقات بين الجانبين العربي والصيني في مختلف المجالات، والارتقاء بعلاقات الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين العربي والصيني، وتثميناً للروابط التاريخية، وعلاقات الصداقة المتينة واستذكاراً للوثائق التأسيسية لمنتدى التعاون العربي - الصيني، الذي أضفى منذ إنشائه عام 2004، سمة مميزة جعلت منه قصة نجاح في التعاون الدولي متعدد الأطراف، وإقامة علاقات التعاون الاستراتيجي في إطار المنتدى الذي أُطلق عام 2010، والخطة التنموية العشرية للمدة من 2014 - 2024 التي تم التوقيع عليها عام 2014، والإعلان التنفيذي العربي الصيني الخاص بمبادرة الحزام والطريق.
إن هناك رغبة مشتركة في الارتقاء بعلاقات الشراكة الاستراتيجية العربية الصينية من خلال زيادة التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والصين 275.5 مليار دولار عام 2021 (التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022) والدفع بالتعاون القائم بينهما نحو مستوى أعلى من التقدم، بما يخدم المصالح المشتركة، ويعزز الجهود التنموية للتعاطي مع تحديات العصر الجديد، وأخذاً بالاعتبار التطورات الأخيرة بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية. كما تناولت القمة العربية - الصينية، التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحصل في العالم، والتي تؤدي إلى تغيير جذري في النظام الدولي، وتمثّل اختبار ضغط للمجتمع العالمي.
إن الصين وتجمع «بريكس» والدول العربية لا تنوي استبدال النظام الدولي الحالي، الذي استفادت منه بشكل كبير، ولكنها تسعى لتعزيز مكانتها على الصعيد العالمي، تماشياً مع نموها الاقتصادي غير العادي ونفوذها الإقليمي، إذ تحاول الصين استعادة المكانة التي تعتقد أنه ما كان ينبغي أن تخسرها أبداً، لكن دون أن تحل محلها في بقية العالم، إذ إن هذه المجموعة، مع احترامها لمبادئها الأساسية، تعمل منذ فترة على تعزيز فكرة التعددية، ذات الخصائص التي تخدم العالم أجمع وتحقق مصالحه، إذ تريد إنجاز نموذج اقتصادي جديد ينسجم مع التطورات الاقتصادية والسياسية التي حصلت في العالم.
مع التمدّد الصيني في أرجاء أفريقيا، وتحولها إلى أهم منافس لأميركا، كان لا بد لصانعي السياسة الأميركية من الاهتمام الاستثنائي بأفريقيا، إذ إن النجاح في مثل هذا التنافس لا يمكن تحقيقه، ما لم تتحقق العودة إلى الساحات التي خرجت منها، في السعي لمواجهة النفوذ المتزايد للصين، إذ تسعى أميركا إلى تعزيز شراكتها مع أفريقيا ضمن الاستراتيجية التي أعلنت عنها في أغسطس (آب) 2022، إذ من الطبيعي أن تملأ الصين الفراغ السياسي والاقتصادي والأمني الذي تركته أميركا في أفريقيا، إذ تراجعت التجارة بين أميركا والدول الأفريقية من ذروة بلغت 142 مليار دولار عام 2008، إلى 64 مليار دولار فقط عام 2021.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل باتت الصين تمتلك أيضاً الكثير من مشروعات البنية التحتية في جميع أنحاء القارة، وتديرها مباشرةً، ووفقاً لشروطها، إلى جانب تأسيس منتدى التعاون الصيني - الأفريقي الذي عزَّز الشراكة بين الصين والدول الأفريقية وزاد من مستوى حجم التبادل التجاري بين الطرفين، وهي سياسة ناجحة اتبعتها الصين مع الدول العربية وأفريقيا وأوروبا، مما زاد من النفوذ الصيني في هذه المناطق الحيوية من العالم.
يسعى العرب من خلال جامعة الدول العربية إلى أخذ مكانهم المهم في تشكيلة النظام الاقتصادي الدولي الجديد طبقاً لإمكانياتهم، إذ تُعدّ الموارد الطبيعيّة (النفط والغاز والموارد البشرية والقوى الناعمة) المصدر الأول من مصادر قوّة النّظام العربيّ، حيث تملك المنطقة العربيّة إمكانيات هائلة من هذه الموارد، من حيث الإنتاج أو الاحتياطي، فهي تحتلّ مواقع متقدمة من إنتاج الحديد والفوسفات وغيرها من المعادن التي تقوم عليها الصناعات الحديثة، وإن كان المورد الأهمّ بينها هو النّفط، إذ إن نسبة احتياطي النفط المؤكد إلى الاحتياطي الدولي للدول العربية يبلغ 55.7 في المائة عام 2021، و26.5 في المائة من الغاز (التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021)، مما يجعلها تأخذ دوراً مهماً في النظام الاقتصادي الدولي الجديد، إذ بلغت مساهمة الدول العربية في توليد الناتج المحلي العالمي 3.06 في المائة، إلى جانب الصين 18.8 في المائة، في المقابل بلغت مساهمة أميركا بمقدار 25 في المائة، واليابان 5.4 في المائة (صندوق النقد الدولي 2021)، بما يعني أن مساهمة الصين والدول العربية كبيرة جداً عند مقارنتها مع مساهمة أميركا، وهما قادران على إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد بالتحالف مع مجموعة «بريكس»، باتجاه تغيير شكل العالم اقتصادياً وسياسياً.
في الختام تسعى كل من الصين وروسيا ومعهما دول «بريكس» والدول العربية وبقية العالم لإنشاء آلية دولية بديلة عن مؤسسات الأمم المتحدة وBretton Woods، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وآلية بديلة عن منظمة التجارة العالمية، تستوعب كل المتغيرات الاقتصادية والسياسية الحاصلة في العالم، وهذه هي مقدمات لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد.