د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

أطياف الدعابة في حواراتنا

عندما يميل المرء إلى ترطيب الأجواء بحس دعابته، فإنه على الأرجح، يتخذ طريقتين رئيسيتين إما إيجابية أو سلبية. الأولى الإيجابية من شقين؛ عبر «أسلوب مشاركة الفكاهة مع الآخرين»، كأنَّها محاولة لمؤازرتهم وتبادل النكات والقصص المضحكة مع الاحترام والقبول المتبادل، وتسمى «Affiliative Humor». وروعتها أنها «تعزز التماسك»، كما أوضحه صاحب النظرية عالم النفس البرفسور رود مارتن. وهناك شق آخر وهو أسلوب «الفكاهة من أجل تعزيز الذات» (Self-Enhancing Humor)، وهو ميله نحو الدعابة في مواجهة تحديات الحياة وضغوطاتها، وذلك ليرفع الفرد من روحه المعنوية كأسلوب مواجهة.
على الجانب الآخر، هناك طريقة ثانية سلبية من شقين؛ وهي عندما يخطأ أحدنا بانزلاقه نحو «الفكاهة العدوانية» (agressive humor)، وهي حالات الاستخفاف والتقليل من شأن الآخرين والهجوم عليهم بطريقة لاذعة أو جارحة. والجرح درجات. فهناك جروح تندمل بسرعة، لكن بعضها يشكل جرحاً غائراً لا يندمل. ومنها الطعن بالأعراق والأعراض والأشكال.
وكم من شخص لم تندمل جروح «التنمر عليه» بسبب طعنات رفقاء السوء في المدرسة قولاً وفعلاً. إذن العدوانية الفكاهية هي الشق السلبي الأول من طريقة الدعابة. أما الشق الثاني منها فهو «فكاهة التقليل من شأن الذات» (Self-Defeating Humor)، وهي أن يسمح المرء للآخرين بالتندر عليه. المشكلة أن صاحبها (الضحية) يتعمد قبول ذلك ليبدو بمظهر الضعيف فيكسب تعاطفاً. بعضهم يمعن في قبول ذلك ليخفي عن نفسه ومحيطه مشاعره الحقيقية تجاه ذاته، ومحدودية قدراته على التصدي، ولتبرير انهزاميته. وإذا استمر المرء بهذا الأسلوب، فإنه يصبح بصريح العبارة «أضحوكة» أمام كل من «هب ودب».
إن حسن الدعابة سلاح ذو حدين. أسوأها عندما نمارس الفكاهة العدوانية (ضد الآخرين) أو التقليل من شأننا فنظهر بصورة هزيلة نفقد بسببها ما تبقى لنا من احترام.