أخبار دولية وعربية
السؤال لم يعد هل سيُسقط الإيرانيون آية الله؟!
السؤال لم يعد هل سيُسقط الإيرانيون آية الله؟!

- خدمة {نيويورك تايمز}
تدخل الاحتجاجات في إيران الآن شهرها الثالث، وتعد بمثابة معركة تاريخية بين قوتين، لا يستهان بهما، ويتعذر التوفيق بينهما؛ شعب غالبيته من الشباب، يشعر بالفخر تجاه حضارته البالغ عمرها 1500 عام، ويتوق بشدة نحو التغيير، مقابل نظام ثيوقراطي معزول آخذ، في التقدم في السن، ويبدو عازماً على التشبث بالسلطة بعد 43 عاماً من الوحشية.
وعلى ما يبدو، يواجه المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، الحاكم الوحيد الذي عرفه كثير من المتظاهرين على مدار حياتهم، نسخة من المعضلة المألوفة التي يواجهها كل حاكم ديكتاتوري؛ أنه إذا لم يفتح الباب أمام إمكانية التغيير، فستستمر الاحتجاجات، لكن إذا فعل ذلك، فإنه يخاطر بالظهور بمظهر الضعيف، ما سيزيد المتظاهرين جرأة.
جدير بالذكر أنَّ الاحتجاجات اشتعلت في أعقاب مقتل امرأة إيرانية كردية تبلغ 22 عاماً، مهسا أميني، في 16 سبتمبر (أيلول)، بعد أن احتجزتها شرطة الآداب بزعم ارتدائها حجاباً غير مناسب. ورغم أنَّ المعارضة الإيرانية للنظام دونما سلاح أو تنظيم أو قيادة، فإن الاحتجاجات تستمر مع القمع العنيف من قبل النظام. وحتى الآن، ألقي القبض على أكثر عن 18 ألف متظاهر، وقتل أكثر من 475 آخرين، وصدرت أحكام بالإعدام بحق 11 شخصاً. يذكر أنه جرى تنفيذ الإعدام بحق الشاب محسن شكاري (23 عاماً) الذي اعتقل أثناء الاحتجاجات.
وبغضّ النظر عن الطريقة التي ستجري بها تسوية الاحتجاجات، يبدو أنها قد غيّرت بالفعل طبيعة العلاقة بين الدولة الإيرانية والمجتمع. ورغم أن تحدي قانون الحجاب ما يزال جريمة جنائية في إيران، ترفض نساء في مختلف أرجاء إيران، خاصة طهران، على نحو متزايد تغطية شعورهن. وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لشبان إيرانيين يسقطون عمائم من على رؤوس رجال الدين يسيرون بالشوارع.
في الوقت ذاته، يجري على نحو روتيني تشويه رموز للحكومة وإحراقها، بما في ذلك منزل أجداد والد الثورة، آية الله الخميني، حسبما أفادت تقارير انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما نظّم عمال وتجار في البازارات وعمال بقطاع البتروكيماويات إضرابات متقطعة، تذكرنا بالتكتيكات التي ساعدت من قبل في إسقاط النظام الملكي الإيراني عام 1979.
جدير بالذكر أن المبادئ الآيديولوجية للمرشد خامنئي وأتباعه تمثلت في شعارات «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل» والإصرار على الحجاب. اللافت أن فلسفة خامنئي في الحكم تشكلت وتعززت من جانب 3 انهيارات لأنظمة استبدادية بارزة؛ سقوط النظام الملكي الإيراني عام 1979، وحل الاتحاد السوفياتي عام 1991، والانتفاضات العربية عام 2011. وتركزت الدروس التي استقاها من هذه الأحداث في عدم قبول أي مساومة تحت ضغط، وعدم المساومة على المبادئ. وفي أي لحظة واجه عندها خامنئي مفترق طرق بين الإصلاح والقمع، كان اختياره دائماً القمع.
علاوة على ذلك، فإن الجمود الذي يتَّسم به المتشددون الإيرانيون لا تقف خلفه قناعة آيديولوجية فحسب، وإنما كذلك فهم عميق للتفاعل بين الحكام والمحكومين. ومثلما قال ألكسيس دي توكفيل، فإن أكثر اللحظات خطورة لحكومة رديئة، هي تلك التي تسعى خلالها إلى إصلاح أساليبها.
من ناحيته، يدرك خامنئي جيداً أن إلغاء الحجاب الإلزامي سيكون بمثابة بوابة للحرية، وسيفسره كثير من الإيرانيين، باعتباره إجراءً ناجماً عن ضعف، وليس كرماً. ولن يقنع الإيرانيون بحرية الملبس فحسب، وإنما سيتجرؤون على المطالبة بكل الحريات التي حرموا منها في ظل نظام ثيوقراطي.
من ناحية أخرى، ثمة مؤشرات على وجود فوضى داخل النخبة الحاكمة. وفي الوقت الذي لمَّح بعض المسؤولين إلى أنه سيجري إلغاء شرطة الآداب التي باتت سيئة السمعة، رأى آخرون ذلك باعتباره مجرد تكتيك مؤقت لاستعادة النظام.
من جهته، قال حسين جلالي، حليف خامنئي وعضو اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني: «سقوط الحجاب يعني سقوط علم الجمهورية الإسلامية». وأعلن أن «الحجاب سيعود إلى رؤوس النساء في غضون أسبوعين»، وأنه ربما يجري تجميد الحسابات المصرفية الخاصة بالنساء اللواتي يرفضن الامتثال.
من جهة أخرى، ما تزال القدرة القمعية للنظام الإيراني، على الأقل على الورق، لا تزال هائلة، ذلك أن خامنئي يعد القائد العام لـ190 ألف عنصر مسلح في «الحرس الثوري» الإسلامي، الذي يشرف على عشرات الآلاف من مقاتلي «الباسيج» المكلفين غرس الخوف في نفوس العامة وفرض الأخلاق. في المقابل، من غير المرجح أن يشارك الجيش النظامي الإيراني الذي يخلو من صبغة آيديولوجية، ويقدر عدد قواته النشطة بنحو 350000 في جهود القمع الجماعي. بيد أن آمال المحتجين في أن ينضمّ الجيش النظامي إلى صف المعارضة ذهبت سدى حتى الآن.
حتى هذه اللحظة، تبدو المصالح السياسية والمالية للمرشد و«الحرس الثوري» متداخلة، رغم أن الاحتجاجات المستمرة وهتافات «الموت لخامنئي» قد تغير ذلك. والتساؤل هنا؛ هل ترغب قوات الأمن الإيرانية في الاستمرار في قتل الإيرانيين للحفاظ على حكم رجل دين مريض، لا يحظى بشعبية؟
وحتى يومنا هذا، تبقى المداولات الداخلية بين مسؤولي أجهزة الأمن الإيرانية بمثابة صندوق أسود. ومع ذلك، ثمة احتمال أن بعض أجنحتها، مثلما كان الحال مع الجيشين التونسي والمصري عام 2011، بدأ يفكر فيما إذا كان التخلص من الديكتاتور قد يحافظ على مصالحهم الخاصة.
من ناحيته، كتب عالم الاجتماع تشارلز كورزمان في كتابه الشهير «الثورة التي لا يمكن تصورها في إيران»، إن المفارقة في الحركات الثورية أنها لن تكون قابلة للحياة حتى تجتذب كتلة حرجة من المؤيدين، لكن كي تجذب كتلة حرجة من المؤيدين، يجب أن تبدو قابلة للحياة.
من ناحيتها، لم تصل حركة الاحتجاجات الإيرانية بعد إلى نقطة التحول تلك. ومع ذلك، ثمة مؤشرات كثيرة على أن كتلة حرجة من المجتمع الإيراني تنتابها شكوك حول استمرار النظام.
في هذا الإطار، قالت نسرين ستوده، محامية حقوق الإنسان الشهيرة والسجينة السياسية التي طالما طالبت بالإصلاح، بدلاً عن الثورة: «ما يريده الناس تغيير النظام وعدم العودة إلى الماضي. وما يمكن أن نراه من الاحتجاجات والإضرابات التي يجري إطلاقها الآن، إمكانية حقيقية للغاية لتغيير النظام».
ومثلما الحال مع كثير من الأنظمة الاستبدادية، حكمت الجمهورية الإسلامية لفترة طويلة من خلال الخوف، لكن ثمة مؤشرات متزايدة توحي بأن هذا الخوف يتلاشى.
اللافت أن رياضيات وممثلات بدأن في التنافس والأداء من دون الحجاب، وهي جريمة جنائية سبق أن زجّت بأخريات في السجن لسنوات، تجاوزت 10 سنوات. وألهمت هذه الجرأة أخريات لفعل الأمر نفسه. كما ظل سجناء سياسيون، مثل حسين روناغي، صامدين رغم السجن والتعذيب. وبدلاً عن ردع المتظاهرين، غالباً ما يؤدي قتل بعضهم إلى مراسم حداد. الأمر الذي يطيل أمد الاحتجاجات.
المؤكد أن 4 عقود من القوة الصارمة للجمهورية الإسلامية ستهزم في نهاية الأمر أمام القوة الناعمة الثقافية الإيرانية التي ظلت قائمة لأكثر عن 2000 عام. واليوم، لم يعد السؤال؛ هل سيحدث هذا؟ وإنما السؤال متى؟ لقد علّمنا التاريخ أن ثمة علاقة عكسية بين شجاعة المعارضة وعزم النظام، وغالباً ما تنتقل فكرة سقوط نظام استبدادي من أمر يتعذر تصوره إلى تطور حتمي في غضون أيام فحسب.
* زميل قديم
في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» يركز على إيران وسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط
* خدمة «نيويورك تايمز»