السمة الغالبة على العصر وجود الحلول البديلة مهما بلغ حجم التأثيرات على الساحة الدولية، ومردودها على الصعيدين السياسي والاقتصادي؛ فقد أوجد قادتنا تغييرات ضخمة في الإدارات ونظم الاستثمار، كنوع من الحلول، فقد بدأت بقمة سعودية، ثم خليجية وعربية - صينية لتعزيز الشراكة الاقتصادية، وتحقيق التكامل ودفع التنمية الذي يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة، صدر عنها العديد من البيانات والاتفاقيات بشأن الاستثمار والتجارة، وذلك عطفاً على المقياس من خلال ترتيب الأهداف، وفق تسلسل هرمي سليم يأخذ في الاعتبار مختلف المصالح والاهتمامات.
فاستراتيجية العلاقة بين الصين والسعودية تأخذ في الاعتبار أفضلَ المعايير بدءاً من نشوئها والعمل على بقائها ونموها، ومواصلة تعميق التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا والفضاء، ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية، وعلى ضوء ذلك يتضمن هذا الاتجاه الاستراتيجي العديد من الاتفاقيات، علماً أن الصين أساساً أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية، ومُورد مهم للتكنولوجيا، فالعلاقات والشراكات مع الصين ممتدة في عمق مطاوي التاريخ.
من الأهمية بمكان أن نضع نصب أعيننا تلك الزيارة، وأن نقيّم صدقية المشاعر التي جمعت القادة العرب مع الرئيس الصيني حيال هذه اللقاءات، وتقصي ردود الفعل الإيجابية، ففي 7 ديسمبر (كانون الأول)، وصل الرئيس شي جينبينغ إلى المملكة العربية السعودية في زيارة رسمية تتضمن انعقاد «قمة صينية – عربية» في التاسع من هذا الشهر. وكان قد عُقد آخر اجتماع بين كبار صنّاع القرار من كلا البلدين في عام 2019 عندما استضاف الرئيس شي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وما يفسر تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين مجلس التعاون والصين بأنهم أكدوا على دفعها نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات السياسية المشتركة أمنياً، واعتمدوا خطة العمل المشترك للفترة القادمة (2023 - 2027م) لتحقيق ذلك، ومن ثم استمرار الحوار الاستراتيجي لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وما يترتب عليها من تبعات، فقد صدر البيان الختامي بغرس الروح الجديدة لهذا التعاون ليكون أساسياً لتحقيق الغايات والأهداف المنشودة.
وبصورة أكثر عمومية لعامة الناس هي تلك الأهمية للدعم المتبادل بما يحقق المصالح في مجالات الثقافة والتعليم والسياحة والإعلام والرياضة، والتبادل الودي بين المؤسسات الفكرية والتقارب بين الشعوب، وإشادة بنجاح دولة قطر في استضافة كأس العالم 2022.
كل ما جاء في البيان تناول ملفات وقضايا ملحة وأساسية من أجل نماء واستقرار المنطقة ورفض أشكال الإرهاب وصوره كافة، والعمل على تجفيف مصادر تمويله، وأهمية الحوار الشامل بمشاركة دول المنطقة لمعالجة الملف النووي الإيراني، والأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار، والتصدي لدعم الجماعات الإرهابية والطائفية والتنظيمات المسلحة غير الشرعية.
هناك عقبات وعراقيل حقيقية ينبغي التغلب عليها في مسيرة التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، ودعم لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن، والتوصل إلى حل سياسي، ودعم الحاجات الإنسانية والإغاثية والتنموية للشعب اليمني، وإدانة جميع الهجمات الإرهابية التي تشنها الميليشيات الحوثية على الأهداف المدنية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والداخل اليمني، وفي الممرات المائية وطرق الملاحة الدولية.
إحدى أكثر الفقرات أهمية هي الشأن الخليجي العربي، وسيادة العراق وأمنه واستقراره، وكذلك لبنان، وليبيا وتوحيد مؤسسات الدولة، تحت إشراف الأمم المتحدة؛ فكل ذلك ينم عن ترابط وثيق للغاية، ودوافع حقيقية لنشر السلام والاستقرار الإقليمي والدولي، وإنهاء الأزمة في أوكرانيا، وكذلك الحال في أفغانستان، وضمان عدم استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أي جماعات إرهابية، أو استغلالها لتصدير المخدرات.
عصر جديد بدأ في العلاقات الصينية - العربية ليكون هناك تحالف استراتيجي أكثر عمقاً بالملفات التنموية، له انعكاس سياسي مهم يدعم استقرار الشرق الأوسط، وهذا ما يحتاجه عالمنا العربي بعد سنوات من التحديات المعقدة، والتوجه للتنمية، والصين شريك مفضل؛ لأن لديها نفس الاهتمام بالتنمية الدولية وازدهار الاقتصاد العالمي، ومصالحها بمنطقتنا كبيرة، وسوقها مهمة للسلع والمنتجات بالعالم العربي.
8:32 دقيقه
TT
الشراكة الصينية العربية والمستقبل المشرق
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة