د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

البنية التحتية أساس التنمية

نهضت الصين عندما وفرت البنية التحتية المتطورة التي هي أساس التنمية الاقتصادية وبدايتها، وهنا في هذه المقالة نتناول كيف تؤسس السعودية البنية التحتية كأحد أهم مستلزمات التنمية الاقتصادية، كتجربة شبيهة لما بدأت الصين به وغيرها من الدول المتقدمة، إذ أن تعزيز خدمات البنية التحتية يساعد في الحفاظ على استمرارية معدلات النمو من خلال جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وزيادة الإنتاج، كتلك التي تساعد على تنمية القدرة التطويرية التي يتم تخصيصها ضمن الموازنة العامة وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية، في معظم خدمات البنية التحتية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، إذ يتم توجيه الاستثمارات العامة لتنمية وتطوير خدمات البنية التحتية المادية المحفزة لجذب الاستثمارات وبخاصة في الأنشطة الإنتاجية وأنشطة الخدمات المتصلة بها، والاستمرار في تطوير شبكات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتعزيز وتوطين المعرفة والخبرات العلمية والتكنولوجية اللازمة لتطوير الأنشطة الاقتصادية، من أجل استكمال تطوير المناطق الصناعية والسياحية والترفيهية في السعودية.
تختلف مشروعات البنية التحتية في مدى مساهمتها في تعزيز النمو الاقتصادي، فمثلا مشروعات توليد الطاقة الكهربائية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هي مشروعات رئيسية تسهم في تعزيز البيئة الاستثمارية وتطور الأنشطة الاقتصادية، كما يتأثر النمو الاقتصادي بكل من حجم التدفقات النقدية على مشاريع البنية التحتية وبجودة خدمات البنية التحتية بشكل إيجابي، نتيجة لقدرتها على تعزيز وجذب الاستثمارات وتخفيض التكاليف، وتكون المساهمة في النمو أكبر في المراحل المبكرة من عملية التنمية الاقتصادية، حيث تساهم خدمات البنية التحتية في زيادة معدلات النمو الاقتصادي من خلال تخفيض تكاليف الإنتاج، إذ يعد توفير الطاقة الكهربائية وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرها من الخدمات، مدخلات مباشرة وأساسية في عملية الإنتاج، توفيرها يسهم في تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة القيمة المضافة للأنشطة الاقتصادية، وتمثل في الوقت نفسه البنية التحتية التي تعتبر مقدمة التنمية الاقتصادية.
يضطلع صندوق الاستثمار السعودي بمهام استراتيجية في إقامة البنية التحتية، إذ يعد قطاع المرافق الخدمية والطاقة المتجددة أحد القطاعات الاستراتيجية التي يركز عليها صندوق الاستثمار، في إطلاق قدرات القطاعات غير النفطية الواعدة لتعزيز الجهود في تنويع مصادر الدخل، إذ إن السعودية تمضي قدماً في تنفيذ الخطط الرامية إلى تنويع مزيج الطاقة من خلال التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة.
من ناحية أخرى، وفي إطار استكمال مستلزمات البنية التحتية، أطلق الصندوق المخطط العام لمطار الملك سلمان الدولي، لتكون الرياض بوابة للعالم، ووجهة عالمية للنقل والتجارة والسياحة، وجسراً يربط الشرق والغرب، بما يرسخ مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً، ويأتي إعلان المخطط العام للمطار تماشياً مع استراتيجية الصندوق، التي تركز على إطلاق إمكانيات القطاعات الواعدة، والمشاريع العقارية، ومشاريع تطوير البنية التحتية محلياً، وتماشياً مع الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية والمبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية، ودعم جهود المملكة في تنويع الاقتصاد، وأن يستحدث 103 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة للمساهمة بتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وسيسهم المطار كذلك في تمكين الاستراتيجيات الوطنية الرائدة للقطاعات الأخرى، كالتجارة والصناعة والسياحة، لتنفيذ مستهدفاتها الطموحة وصولاً لتحقيق التنمية المستدامة 2030، إذ سيكون مركزاً اقتصادياً متطوراً ومعلماً حضارياً ونموذجاً للنقل المتكامل يسهم في تنمية صناعة الخدمات اللوجيستية، وتعزيز اقتصاديات الطيران، وفق أهداف استراتيجية الطيران المدني، التي تستهدف زيادة الوجهات لأكثر من 250 وجهة دولية، ونقل 330 مليون مسافر، ورفع قدرات قطاع الشحن الجوي عبر مضاعفة طاقته الاستيعابية، لتصل إلى أكثر من 4.5 ملايين طن.
يعزز سلسلة الإعلانات المتواصلة عن المشروعات التحولية التنموية، ما أعلن عن اعتماد التوجه التنموي لتطوير جزيرة دارين وتاروت (شرق المملكة)، كما يشكل مشروع «نيوم» أكبر مشروع للتقدم والتكامل في المنطقة والعالم لتحقيق الرؤية المستقبلية للسعودية في مجالات العلم والتكنولوجيا والابتكار، ما يعزز تخطي حدود الابتكار إلى أعلى مستويات الحضارة الإنسانية إذ تم تصميم هذه المنطقة الخاصة، لتتفوق على المدن العالمية الكبرى من حيث القدرة التنافسية ونمط المعيشة وتستفيد من الموقع المميز للبحر الأحمر والثروات التي يتمتع بها.
أخيراً، يعتبر بناء واستكمال البنية التحتية أساس التنمية الاقتصادية، إذ لا توجد تنمية بدون بنية تحتية متطورة، تبدأ من خلالها التنمية الاقتصادية في السعودية، على غرار التنمية الاقتصادية التي حصلت في الصين وسحبت معها كل التطور الهائل في جميع المجالات، من مبدأ أن البنية التحتية منطلق التنمية الاقتصادية.