حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

أهداف العرب في مونديال الهويات

الهدف الأول الذي سدده العرب في شباك العالم المتطور، أن انتصارات المنتخبات العربية على منتخبات عالمية من الوزن الثقيل (السعودية على الأرجنتين، وتونس على فرنسا، والمغرب على بلجيكا)، حرّكت دماء «العروبة» التي أنهكها عدد من الأزمات الكبرى كغزو صدّام «العروبي» للكويت «العربية»، الغزو الذي حوَّل صدام من حارس للبوابة الشرقية إلى منتهك لها مستبيحاً قُطراً «عربياً» ومهدداً بقية الجيران «العرب». وكذلك نظام الأسد «العربي» الذي جعل بلاده مرتعاً للخمينية تسرح فيه وتمرح، إلى الميليشيات «العربية» في جنوب لبنان التي تَدين جهاراً نهاراً بالولاء لعمائم قم، وتؤازر الاحتلال الإيراني لقتل وتهجير ملايين السوريين «العرب»، إلى «عرب» الحوثية الذين جعلوا من صنعاء بلدة إيرانية كخرم شهر وأصفهان، لتأتي نتائج المنتخبات العربية في المونديال «العربي» في الدوحة فتزيل ركام هذه الإحباطات «العربية».
وتعززت العروبة أكثر من خلال القدرة «العربية» على تنظيم أكبر مظاهرة رياضية وهوياتية وأشدها وهجاً على الإطلاق، فأمسى العرب يقولون «نجحنا» في تنظيم بطولة كأس العالم، بدل نجحت قطر وحسب، تماماً كما خلخلت انتصارات المنتخبات العربية حدود «سايس بيكو»، فأضحت النشوة العربية بهذه الانتصارات تسري في كل الدول العربية بنفس مستوى نشوتها في الدولة العربية المنتصرة.
الهدف الثاني سدده العرب في شباك مرمى «العنصريين» الغربي، الذين أرادوا أن يجعلوا من «المثلية» في المونديال «العربي» حصان طروادة لخلخلة منظومة الهويات والقيم والعادات والتقاليد ليس في قطر، بل في المنطقة كلها، تحت شعار خادع ماكر «حقوق الإنسان»، وهي في الحقيقة حقوق في فرض وهيمنة منظومة أخلاقية وثقافية واحدة ضد العالم «الدوني» الآخر، ليكون المنطلق من الغرب محطة الإرسال وما على غيرهم من المشارقة إلا ضبط «الدشوش» لاستقبال محطاتهم وقيمهم وثقافتهم بصمت، عدا طقطقة الريموت كنترول، ثم الغبن كل الغبن أن تراعي «حقوق الإنسان» من يطالب بتسويق ثقافة ألوف تتلاعب بفطرة الإنسان، ولكن يجب أن تخرس شعوب بمئات الملايين، لأنها تطالب «حقوق الإنسان» الغربية بأن تحترم هويتهم الحضارية والثقافية والدينية من تغول وتوغل ثقافات وهويات الغير، ولا تفهم الشعوب الشرقية كيف تعترض حقوق الإنسان هذه على حظر الخمور في مونديال بلد له وللجماهير العربية التي تشهد هذا المحفل الكروي، موقف ديني واجتماعي رافض للسماح به؟ وإن تعجب فعجب تفهم حقوق الإنسان الغربية لرفض مطالبة من تسمح بلاده بالحشيشة كمالطا وهولندا أن يشمها في دول غربية تحظرها كبريطانيا وسويسرا، فما هذا التناقض؟
هذا الهدف «الهوياتي» الذي سجله مونديال العرب بإتقان في شباك العنصريين، الذين يريدون فرض هويتهم وثقافتهم رافعين قميص حقوق الإنسان، هو أغلى وأجمل هدف تم تسجيله على الإطلاق في مونديال العرب في الدوحة، وهو أول هجمة مرتدة متقنة ضد المتلاعبين بفطرة البشر، فحشدت وراءهم تأييد أصوات من العرب والعجم ومن كل المِلل والنِّحَل، فكان التصدي الناجح.