علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

غضب الاقتصاد

المحرك للأمم أمران؛ الأول: عقيدة تؤمن بها الأمة وتخدمها أياً كانت هذه العقيد، الأمر الثاني: تمويل مالي يخدم هذه العقيدة، وهو ما نعني به الاقتصاد في زمننا الحالي.
والأمم تتحرك وفق آليتين؛ إما خوفاً من المغرم وإما طمعاً في مغنم، والمتتبع لتحركات الشعوب الإيرانية خلال الخمسين سنة الماضية، يجد أن شاه إيران حاول أن يجعل من بلاده قطعة من أوروبا رغم أن معظم الشعوب الإيرانية مسلمة، فنزع الشادر (الحجاب) وشجع الجنز، فصبرت الشعوب الإيرانية على ذلك؛ طمعاً في العقيدة المصاحبة لذلك، وهي الديمقراطية التي يتبعها رخاء اقتصادي يماثل الرخاء الأميركي، ولكن ما حدث هو العكس، إذ إن الشاه أصبح ديكتاتوراً مطلق اليد، لدرجة أنه قبل عرض أي فيلم سينمائي في دار عرض إيرانية تظهر على الشاشة صورة الشاه، وحينها يجب على الجميع أن يقف، ومن لم يقف يكون السجن نصيبه.
هذا دعا الشعوب الإيرانية إلى أن تقف مع ثورة الخميني، خصوصاً بعد حفل الشاه الكبير والباذخ بمناسبة مرور ألفي عام على قيام الإمبراطورية الساسانية، في وقت كانت تعيش فيه الشعوب الإيرانية حياة أقرب إلى الفقر، رغم ضخامة الموارد، إذ كان الشاه يفاخر بأنه جعل الفرد الإيراني يركب العجلة، في وقت كانت الشعوب من حوله تركب السيارات العادية وليست الفارهة.
هذا أدى إلى التفاف الشعوب الإيرانية حول ثورة الخميني والتخلي عن الشاه، الذي لم يحقق الرفاه الاقتصادي، ولم يحقق الديمقراطية، بمعنى خان وعوده.
جاء الخميني ووعد بحكم إسلامي أساسه الشورى وعموده العدل، بمعنى حكم شورى ورفاه اقتصادي قائم أساسه على توزيع عادل للثروة، ولكن حدث العكس، إذ جاء الخميني بنظرية الولي الفقيه، واعتبر نفسه نائب المهدي، بمعنى أنه أصبح نائب الله على الأرض، فانتفت العقيدة القائمة على الشورى لتحل محلها ديكتاتورية مطلقة. كما أن الرفاه الاقتصادي أصبح حلماً بعيد المنال بالنسبة للفرد الإيراني، بعد أن أقر الخميني مبدأ تصدير الثورة، ليدخل حرباً مع العراق استمرت ثماني سنوات، ويبدأ بدعم الميليشيات في كل ركن من أركان الشرق الأوسط، لتجد الشعوب الإيرانية نفسها قد فقدت ميزتين؛ الشورى والرفاه الاقتصادي، فالشعوب لا يهمها من يعتلي سدة الحكم، ولكن يهمها ماذا يفعل لأجلها؟ وماذا يحقق لها؟ فالشعوب الإيرانية وجدت ثرواتها توزع على الميليشيات في الإقليم، لذلك انتفضت الشعوب الإيرانية ضد حكم الملالي متخذة شعار «احراق العمائم» شعاراً لها، ومن مهسا أميني أيقونة للثورة، ليس حُباً للفتاة ولكن رفضاً للأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعيشها الشعوب الإيرانية.
لذلك، فإن الاقتصاد إذا ساء غضبت الشعوب، ولعلّ بوعزيزي تونس مثالاً ليس بعيد الذكرى، كما أن تصرفات القذافي التي أفقرت الليبيين جعلتهم يثورون عليه، لذلك فإن الشعوب الإيرانية تحركت ضد «نائب الله في الأرض» طمعاً في حياة أفضل توفر لهم رخاء اقتصادياً يتفق مع موارد البلاد المهدرة على الميليشيات في الإقليم. ودمتم.