كاثرين ميلر
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

حول الانتخابات النصفية الأميركية

يتمثل أحد تحديات البقاء على قيد الحياة في الوقت الحالي، في فهم الخطر الذي يتهدد نظام الانتخابات الأميركية. في الواقع، من الصعب تحديد، بشكل قاطع، مدى انتشار رقعة هذا التهديد، وحجم الفوضى التي نعيشها وحجم الخطر الذي نجابه، وماذا ينبغي لنا أن نفعل بعد ذلك.
والآن، ما مدى سوء الأوضاع؟ في استطلاع أجرته «رويترز» بالتعاون مع مؤسسة «إبسوس» في أكتوبر (تشرين الأول)، أعرب 43 في المائة من الناخبين عن قلقهم إزاء التهديدات بالعنف أو أعمال الترهيب التي قد تحدث أثناء التصويت. وخلص استطلاع أجرته «نيويورك تايمز» بالتعاون مع «سينا كوليدج»، إلى أنه في الوقت الذي يشعر الناس بالقلق إزاء الأخطار التي تتهدد الديمقراطية داخل الولايات المتحدة، فإنهم يوعزون المشكلة إلى الحزب المقابل، ما يخلق وضعاً صعباً تتعذر تسويته.
وفي الآونة الأخيرة، ظهر بعض المسلحين لحماية صناديق الانتخاب. وفي مختلف أرجاء البلاد، استقال مسؤولون معنيون بالانتخابات والعمال، متذرعين بتعرضهم لتهديدات. ويمكن لحادث عنيف واحد أن يغير حياة الأفراد إلى الأبد، علاوة على تردد صداها من خلال السياسة بطرق عميقة وغير متوقعة. لا أحد يريد حقاً أن يعيش هكذا، لكن استيعاب النطاق الملموس واليومي لهذه المشكلات، ليس بالأمر السهل، سواء ما تغير وما لم يتغير. في ظل توتر لا نهاية له مع وجود مزيد من الأسئلة المجردة حول الصورة الكبيرة، فإن الواقع العملي هو أنه داخل جمهورية ديمقراطية، يتولى أشخاص حقيقيون، يتمتعون بحياة حقيقية، بتجهيز معدات التصويت داخل صالة ألعاب رياضية بالمدرسة الإعدادية في مكان ما، والتحقق من وصولك، وتسليمك بطاقة الاقتراع، وما إلى غير ذلك من الإجراءات التي تبدأ في منطقتك، وتنتقل عبر المقاطعة والولاية، وفي سنة الانتخابات الرئاسية، على طول الطريق عبر البلاد.
في هذا الخريف، أمضيت يومين في دورهام بنورث كارولاينا، وتحدثت مع 4 من موظفي الانتخابات. وخلال حديثي معهم، تناولنا القهوة في الخارج في ظلال طقس الخريف في ولاية كارولينا الشمالية، والصباح الصافي، وطقس بعد الظهر الدافئ، والتحدث عن كيفية مشاركة الناس وكيف تتكشف عملية الانتخابات خلال الأيام السابقة للانتخابات.
وتراوحت أعمار العمال الأربعة الذين التقيتهم بين 30 و70 عاماً. واشترك اثنان في دورات انتخابية حديثة. وتحدثنا عن أشياء مثل بطاقات الاقتراع المؤقتة، وقوائم مراجعة العمليات والإجراءات الاحترازية المحلية. وأخبرني أحدهم أنه إذا كان لدى شخص ما مخاوف إزاء تزوير الانتخابات، فإن أحد السبل للتخفيف من هذا الخوف واكتساب الثقة في الانتخابات مرة أخرى، خوض تدريب رسمي ليصبح موظفاً أو مراقباً للاقتراع ورؤية الأمر برمته يتكشف أمام عينه. عندما سألت عما يريدون أن يعرفه الناس عن العاملين في الانتخابات في دورهام، قالت سيدة من العاملين تعمل في الانتخابات منذ انتقالها إلى هناك في السبعينات، وشقيقتاها تعملان في الانتخابات حيث تعيشان أيضاً: «إنهم أشخاص عاديون، وكثير منهم متقاعدون، وكثير منهم يحبون النظام. لقد عملوا لسنوات، لذا فهم يستمتعون بالقيام بالعمل. إنهم يعرفون العمل». وقالت إنها تحب تنوع المهام الموكلة إليها، ومقابلة العمال والناخبين ورؤية العملية لدى اكتمالها نهاية الأمر، والتأكد من دقة أعمال الفرز. وذكر مسؤول انتخابي آخر أنه أحب الطبيعة المجتمعية لهذا العمل.
وتحدثت واحدة من العاملين الذين التقيتهم عن إمكانية وقوع حوادث عنف أثناء الانتخابات. إلا أن هذا كان مجرد سيناريو واحد محتمل تفكر فيه وتخطط له.
خلال العقدين الماضيين من الحياة الأميركية، كانت التجربة الانتخابية في مجملها مألوفة وخالية من الأحداث وتسير على نحو تلقائي ويشارك المرء فيها جيرانه. إلا أننا اليوم نعيش عام 2022، في وقت تسود نظريات المؤامرة والتهديدات، غالباً بسبب تشويه أحد السياسيين لعملية تصويت أو عد للأصوات روتينية.
الحقيقة أن هذه دولة كبيرة حقاً. وعليه، فإن ما يحدث في مكان ما لا يحدث دوماً في مكان آخر، وهو ما يجعل من الصعب أن نفهم بحق ما إذا كانت المشكلات التي نواجهها اليوم مؤقتة أو وجودية أو في مكان ما بينهما. داخل جمهورية ديمقراطية، فإننا جميعاً نرتبط معاً بالقانون وبمفاهيم أوسع يصعب تحديدها مثل الثقة والخوف. إن الحفاظ على الجوانب الهادئة للنظام الانتخابي مع الاستمرار في إدراك عيوبه ونقاط ضعفه أمر صعب في لحظة ربما تنطوي على خطر عميق.
في نهاية الأمر، تجري إدارة الانتخابات من قبل أشخاص عاديين اختاروا بمحض إرادتهم المشاركة في العملية الانتخابية. ربما يجعلك هذا الاحتمال متوتراً أو قد يبث بداخلك قدراً كبيراً من الطمأنينة، حسب وجهة نظرك. ويتطلب النظام من الناس الاستمرار في القيام بذلك، وحقيقة أننا نتحدث عن العنف والتخويف هذا في حد ذاته يسلط الضوء على مدى هشاشة هذا النظام.
داخل ولاية كارولينا الشمالية، وعلى امتداد بضعة أيام، عايشت الحياة الواقعية لفترة وجيزة وشعرتها طبيعية، فقد تحدثت مع 4 أشخاص حول كيفية عمل النظام، وعن حياتهم، وعن القيام بهذا العمل وعن الناخبين الذين يمرون عبر الباب أمامهم.
* خدمة «نيويورك تايمز»