ليزا جارفيس
TT

نحن بحاجة لجرعات أكثر فاعلية من لقاح الإنفلونزا

اليوم يحل الوقت من العام الذي يتوسل فيه مسؤولو الصحة العامة داخل الولايات المتحدة عملياً للناس، من أجل الحصول على لقاح الإنفلونزا. هذا العام، جاءت رسالتهم ملحة على نحو خاص: احمِ نفسك الآن؛ لأن البلاد قد تواجه موسم إنفلونزا سيئاً يتزامن مع عودة ظهور حالات إصابة بفيروس «كوفيد-19».
الأسبوع الماضي، قررت الأخذ بنصيحة هؤلاء المسؤولين، وحصلت بالفعل على جرعة من لقاح الإنفلونزا (وكذلك جرعة معززة من لقاح «كوفيد-19» في الوقت ذاته). إلا أن الاحتمال الأكبر أن أكون من بين الأقلية.
وكشف استطلاع حديث أجرته المؤسسة الوطنية لمكافحة الأمراض المعدية، لقياس اتجاهات لقاح الإنفلونزا في الولايات المتحدة، أن 49 في المائة فقط من الأميركيين يخططون للحصول على لقاح الإنفلونزا هذا العام. وعندما سُئل الأشخاص عن سبب عدم نيتهم الحصول على اللقاح، قال 41 في المائة إنهم لا يعتقدون أن لقاحات الإنفلونزا تعمل بشكل جيد للغاية.
حسناً، ربما حان الوقت للحصول على لقاحات أفضل. وربما تؤدي لقاحات الإنفلونزا التي توفر حماية أفضل وأوسع وأطول أمداً إلى ارتفاع معدلات التطعيم، وبالتالي تقليل عبء الفيروس بشكل كبير.
ومع ذلك، تبقى هناك مزايا للقاحات الحالية. وحتى في العام الذي تكون فيه فاعلية اللقاح منخفضة، فإن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تنسب الفضل إلى لقاحات الإنفلونزا عن تجنب ملايين الأمراض وزيارة الأطباء، وإنقاذ آلاف الأرواح، وتجنب كذلك عشرات الآلاف من حالات الاحتجاز في المستشفيات.
ومع ذلك، فإن فاعلية لقاح الإنفلونزا تتفاوت بشكل ملحوظ من عام إلى آخر. وبسبب عملية التصنيع المطولة، يتعين على سلطات الصحة العامة اتخاذ قرار واضح بخصوص تركيبة اللقاح، قبل أشهر من بدء الناس في الحصول على اللقاح بالفعل.
على سبيل المثال، اختارت إدارة الغذاء والدواء السلالات المدرجة في لقاح هذا العام في أوائل مارس (آذار)، وهذا يعني أن التنبؤات حول الفيروسات التي ستنتشر في بعض السنوات أفضل من التنبؤات في سنوات أخرى. ويقع نطاق الحماية عند نقطة معينة، ما بين أكثر من 60 في المائة إلى أقل من 20 في المائة.
إذا كانت هذه الفاعلية مرتفعة بشكل أكثر موثوقية، فربما يحفز ذلك مزيداً من الأشخاص للحصول على جرعات لقاح الإنفلونزا. والنبأ السار هنا أنه بعد صراع دام عقوداً لتحسين لقاح الإنفلونزا، أعقبه تأخير التجارب السريرية خلال الجائحة، يمكن أن تحمل السنوات القليلة المقبلة معها مزيداً من الخيارات.
ومن المحتمل أن يتحقق التقدم على شكل موجات، في البداية مع اللقاحات الموسمية التي تتماشى بشكل أفضل مع فيروسات الإنفلونزا المتفشية. وفي النهاية، إذا سارت الأمور على ما يرام، فربما نرى ما تسمى «لقاحات شاملة».
تعتمد الموجة الأولى المحتملة من اللقاحات الموسمية على تقنية «الرنا المرسال» التي جلبت لنا لقاحات «كوفيد-19» والجرعات المعززة. وكانت جهود تطوير هذه اللقاحات قد بدأت قبل وقوع الجائحة. وتعكف شركتا «موديرنا» و«فايزر/ بيونتيك» على إنتاج جرعات لقاح تحمل وصفات لبناء 4 نسخ من بروتين إنفلونزا يدعى «راصة دموية»، بواقع واحد لكل سلالة موجودة في لقاح الإنفلونزا التقليدي.
وتكمن ميزة تقنية «الرنا المرسال» في السرعة، ذلك أن «موديرنا» و«فايزر/ بيونتيك» تحتاجان لوقت أقل لتصميم وتصنيع وتوزيع لقاح إنفلونزا يعتمد على تقنية «الرنا المرسال» عما تحتاجه لإنتاج نسخة تقليدية من اللقاح. ويعني ذلك من الناحية النظرية أنه بإمكانهما اتخاذ قرار أكثر دقة بشأن تركيبة اللقاح السنوي، الأمر الذي يسهم في إنتاج لقاح أكثر فاعلية باستمرار.
بطبيعة الحال، لا تزال كلتا الشركتين بحاجة إلى إظهار مدى جودة لقاحات «الرنا المرسال» مقارنة بلقاحات الإنفلونزا التقليدية. ويبقى هذا سؤالاً مفتوحاً. جدير بالذكر أن الشركتين بدأتا منذ وقت قريب في إجراء دراسات كبيرة ومتأخرة عن لقاحات الإنفلونزا.
وتسعى الشركتان بالفعل نحو إنتاج الجيل التالي من لقاحات «الرنا المرسال» للإنفلونزا التي ربما يجري تطويرها بالاعتماد على هذه الجولة الأولى. مثلاً، تعمل «موديرنا» على إنتاج جرعات لقاح تتضمن وصفة لاثنين من بروتينات الإنفلونزا. وأعلنت شركة «فايزر» أنها تستكشف إمكانات تقنية «الرنا المرسال» ذاتية النسخ، والتي يمكن أن تسمح بإنتاج جرعات أصغر بكثير، ويسهل تخزينها وتوزيعها.
أما الموجة الأبعد التي يأمل كثير من الباحثين في أن تحمل معها تغييراً محورياً في قواعد اللعبة جميعها، فهي صدور لقاحات شاملة. والملاحظ أن لفظ «شاملة» أصبح عاملاً مشتركاً بين كثير من أنواع اللقاحات المختلفة، بينها لقاحات تحمي من جميع سلالات نوع فرعي معين (مثل جميع تحورات «إتش 1 إن 1»)، واللقاحات التي تحمي من جميع سلالات نوع معين من الإنفلونزا (مثل الإنفلونزا أ، المسؤولة عن غالبية حالات العدوى)، واللقاحات التي يمكن أن تحمي من جميع السلالات الماضية والحاضرة والمستقبلية للإنفلونزا (وهي مشكلة أصعب بكثير).
ونظراً لأن هذه اللقاحات ستعمل نظرياً ضد أي نوع من أنواع الإنفلونزا التي انتهى بها المطاف إلى التفشي بين الناس، فلن تحتاج إلى تحديث من عام إلى آخر، الأمر الذي قد يجعل تصنيعها أقل تكلفة. ويأمل بعض الباحثين أن تفتح الباب حتى أمام معدلات تلقيح أقل تكراراً. إلا أنه لسوء الحظ، فإن هذه اللقاحات الشاملة هي أيضاً في المراحل الأولى من الاختبار.
إذا تبين نجاح أي من هذه الأجيال الجديدة من لقاحات الإنفلونزا، فإننا نأمل أن يتخلى الناس حينها عن أعذارهم ويصطفوا للحصول عليها. في الوقت الحاضر، تكشف بيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، أن حالات الإنفلونزا في الولايات المتحدة تعاين ارتفاعاً بالفعل، ما يستوجب من الجميع التفكير بجدية في الحصول على اللقاحات المتاحة لدينا بالفعل. ومع أن هذه اللقاحات قد لا تكون مثالية، فإنها تعمل على نحو جيد بما يكفي لإنقاذ كثير من الأرواح.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»