جمال زقوت
TT

اجتماعات الجزائر... ومتطلبات الوحدة الفلسطينية

تبدأ اليوم في العاصمة الجزائرية اجتماعات الفصائل الفلسطينية، في مسعى جاد من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، وبلد المليون شهيد صاحب مقولة: «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، التي كان قد أطلقها يوماً الزعيم هواري بومدين، وظلت من يومها وحتى الآن بوصلة الموقف الجزائري من فلسطين وشعبها وقضيته؛ حيث تتبنى الجزائر في إطار تحضيراتها للقمة العربية جهداً هادئاً ومخلصاً لاستعادة مكانة القضية الفلسطينية على رأس جدول أعمال واهتمامات هذه القمة، ومعها الحاجة لاستعادة ما يسمى التضامن العربي، في ظل عالم يشهد متغيرات كونية هائلة تموج بين محاولات إلغاء هيمنة القطبية الأميركية التي تتفرد بمصير العالم، وبين الحديث المتواتر عن احتمال الانجراف نحو خطر تدمير نووي لهذا الكون.
ما تحمله الثورة الجزائرية وروح التضامن الشعبي الجزائري لفلسطين وشعبها في أكثر من مشهد ومحطة، بما في ذلك احتضانها لحوارات فصائل «منظمة التحرير» بين «حركة فتح»، وما كان يُعرف بـ«التحالف الديمقراطي» («الشعبية» و«الديمقراطية» و«الشيوعي» و«الفلسطينية»)، التي أفضت بنجاح لاستعادة الوحدة في إطار المجلس الوطني التوحيدي في أبريل (نيسان) 1987، والتي شكّلت رافعة جوهرية لاندلاع الانتفاضة الكبرى قبل نهاية ذلك العام - يؤكد أهلية هذا البلد الشقيق ليكون حاضنة استعادة الوحدة الفلسطينية، وهو يسعى لاستعادة دوره المركزي على الصعيدين العربي والإقليمي.
المفارقة المؤلمة أن تلك الفصائل التي تهيمن على إرادة الفلسطينيين، لا تبدي قدراً كافياً من الجدية يتناسب مع إرث الثورة الجزائرية، ومع مدى الحاجة في هذه اللحظة التاريخية لضرورة وحدة الشعب الفلسطيني، واستعادة مكانة قضيته، وتجديد حركته الوطنية لاستئناف دورها في معركة التحرر الوطني، والبناء الديمقراطي الهادف أساساً لتعزيز صمود الشعب في هذه المعركة التي باتت - كما يبدو - فاصلة.
الخيبات التي ألمّت بالشعب الفلسطيني من فشل كل الحوارات السابقة، وغياب الجدية لتحرير إرادة القرار السياسي الذي طالما تغنينا باستقلاليته، تجعل شعبنا يبدو وكأنه غير مكترث بما يمكن أن تفضي إليه تلك الحوارات، وهو في الواقع منشغل في الدفاع عن أرضه وحياة أبنائه، وفي المواجهة الدامية التي تحاول إسرائيل من خلالها استكمال ما تسميه «كي الوعي»، فالشعب قد استعاد زمام المبادرة الميدانية لإسقاط وهْم الاحتلال بفرض شروط الاستسلام عليه. فهل تفاجئ القوى المهيمنة على المشهد الانقسامي الشعبَ بالاتفاق الذي باتت أسسه معلومة على إنهاء الانقسام، بدلاً من الاستمرار في أن يتقمص كل منها شروط الآخرين «المتقادمة»، سواء المتعلقة بوهم العودة للمسار التفاوضي؛ «شروط (الرباعية) والشرعية الدولية»، أو «شعاراتية مقاومة حلف الممانعة» التي يسعى أصحابها لهدنة طويلة الأمد تكرس الواقع الانقسامي، انتظاراً لمتغيرات تُمكِّنُها من الهيمنة الكلية على المشهد. لا يوجد أمل كبير في عودة «الإخوة الأعداء» لطريق الصواب الذي يرسمه ضحايا ومناضلو فلسطين يومياً، وهم يشقون الطريق الذي سبق أن فرضه الشعب الجزائري على الكولونيالية الفرنسية، وأجبرها على الرحيل.
في ذات السياق، وبينما ينجرف المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين والعنصرية المتنامية حد الفاشية، وما يستدعيه ذلك من وحدة وطنية شاملة للفلسطينيين، يتم التضحية بالإنجاز الأهم الذي حققه أبناء شعبنا داخل الخط الأخضر منذ عقود، عندما شكّلوا «القائمة العربية المشتركة» لانتخابات «الكنيست» عام 2015؛ حيث أصبحت أهم قوة في «الكنيست»؛ فبعد انسحاب «العربية الموحدة» (منصور عباس)، لاهثاً خلف سراب الحقوق المدنية في زمن قانون القومية العنصري، تتفكك «المشتركة» مجدداً بين «الجبهة» و«العربية للتغيير» من جهة، و«التجمع» منفرداً من جهة أخرى. ورغم ما يكتنف هذا التمزق من خطر انتخابي باتساع نسبة امتناع المصوّتين الفلسطينيين، الأمر الذي يجب معالجته بحكمة قيادية؛ فإنه قد يقدم لقوى اليمين المتطرف هدية غير متوقعة، إلا أن الأهم ليس عدد المقاعد، حتى لو تجاوزت الكتل الثلاث نسبة الحسم وتعدت الـ12 مقعداً؛ فالضربة السياسية بتفكك النموذج الوحدوي الذي سبق أن قدمته «المشتركة» عام 2015، هي الأخطر على الحالة الفلسطينية الشاملة. فبدل أن يقود زعماء «المشتركة» حينها جهداً يكرس مكانتهم الموحدة كمكون أساسي في إطار قيادة الحركة الوطنية، ودفع مكوناتها الأخرى لاستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام المدمر؛ فإنها تنزلق مع الحالة العامة للتفكك، وهو ما تسعى قيادة الحركة الصهيونية بمختلف مكوناتها لتعميقه، في إطار معركتها المحتدمة مع الحركة الوطنية الفلسطينية لحسم الصراع على هذه البلاد ومستقبل الشعبين فيها، والتي لا يمكن وقف المشروع الإسرائيلي الكولونيالي، أو إمكانية هزيمته في هذه المعركة، إلا بوحدة كل الفلسطينيين في كل تجمعاتهم، وإعادة بناء حركتهم الوطنية الشاملة ومؤسساتهم الجامعة على هذا الأساس، بما يساهم في استنهاض شامل لطاقات الشعب الفلسطيني في معركة التحرر الوطني، واستحقاقاتها من البناء الديمقراطي الذي يوفر متطلبات الصمود الوطني على الصعيدين الميداني والسياسي.