د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

التعَّقيد الاقتصادي ومستهدفات التنمية 2030

يساهم التعَّقيد الاقتصادي Economic Complexity بدرجة كبيرة ، في تحقيق اهداف التنمية المستدامة 2030، إذ سجلت السعودية أعلى مؤشر للتعقيد الاقتصادي في الدول العربية، حيث احتلت المرتبة 39 في العالم، وفي سياق مواكبة أحدث التطورات التكنولوجية في العالم، عقدت في الرياض يومي 13 – 14 /9 /2022، القمة العالمية للذكاء الصناعي تحت شعار «الذكاء الصناعي لخير البشرية» بتنظيم من الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الصناعي (سدايا) لتعزيز الاستثمار في الذكاء الصناعي والروبوتات في المنطقة العربية والعالم والذي جاء ليعزز ما صدر عن تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2022، عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وركز على تعظيم الفرص لتعافٍ يشمل الجميع ويُعزِّز القدرة على مواجهة الأزمات في حقبة ما بعد كوفيد-19، والذي سلط الضوء على تداعيات الجائحة في المنطقة العربية، حيث يتمحور التقرير حول التنمية الإنسانية، الذي يدعو إلى توسيع الفرص أمام الأفراد ليستمتعوا بحياة منتجة وذات مغزى وممكَّنة، وسط الحد من الضغوط التي يرزح تحتها الكوكب، وتعلُّم العيش بتناغم مع الطبيعة.
يأتي التقرير في مرحلة مهمة من حياة دول المنطقة العربية بعد ما مرَّت به خلال الجائحة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ليعزِّز الفهم العام للأولويات التنموية على المستويات الوطنية والإقليمية، وفرص معالجة التحديات التي تواجه الدول العربية والعالم بشكل عام، فالمنطقة العربية تتميز بتنوعها التنموي ما بين الدول مرتفعة الدخل أو المتوسطة أو المنخفضة، والدول الهشة والمتأثرة بالأزمات، وكلها تأثَّرت بتداعيات الجائحة التي أنتجت العديد من التحديات المتفاوتة على صعيد الحوكمة والاقتصاد والمجتمع.
التعقيد الاقتصادي هو مقياس للمعرفة الإنتاجية الموجودة في المجتمع والمترجمة على شكل المنتجات التي ينتجها، حيث تقاس هذه المعرفة من خلال تقييم مدى تنوّع وتطوّر سلة المنتجات الصناعيّة للدولة. بينما تكمن أهمية مؤشر التعَّقيد الاقتصادي لارتباطه ارتباطاً وثيقاً مع إجمالي الناتج المحلي للدول، فكلما ازداد مؤشر التعَّقيد الاقتصادي للدولة ازداد إجمالي الناتج المحلي فيها.
لذلك، وعلى الرغم من التقدم الواضح في بعض الدول العربية، فما زال التعَّقيد الاقتصادي ليس بمستوى الدول النامية الأخرى، فبين عامَي 2010 و2019، بقي مؤشر التعَّقيد الاقتصادي منخفضًا نسبيًا، مع تفاوت كبير بين دول المنطقة، إذ خلال عام 2019، أشارت التقديرات إلى أن مؤشر التعَّقيد الاقتصادي الأعلى سجلته السعودية، تليها تونس ولبنان – في المرتبة 39 و45 و57 على التوالي من بين 133 دولة مدرجة في التصنيف العالمي – ما يعكس تنوعًا أكبر نسبيًا في حيز منتجاتها. من ناحية أخرى، سجل هذا المؤشر أدنى مستوياته في ليبيا واليمن والجزائر، حيث احتلت هذه الدول المراتب 121 و119 و116 على التوالي علما أن العراق غير مدرج في مؤشر التعَّقيد الاقتصادي إذ ليس لديه بعض البيانات الإحصائية التي تخص هذا المؤشر، أو عدم القدرة على توفيرها في هذه المرحلة.
يركز التعَّقيد الاقتصادي على خمس أولويات هي تنويع الاقتصادات وتعزيز نمو توليد فرص عمل لائقة بجانب تحسين مناخ و تعزيز إمكانية حصول النساء والشركات الصغيرة على التمويل؛ وأخيرا تحقيق تكامل اقتصادي إقليمي.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، سجلت دول مجلس التعاون الخليجي التقدم الأكبر في مراتبها وفق مؤشر التعَّقيد الاقتصادي، بينما تراجعت مرتبة دول أخرى مثل اليمن ولبنان والمغرب، ووفقًا لأطلس التعَّقيد الاقتصادي الصادر عن هارفرد، أضافت الدول المصدرة للنفط خلال السنوات الخمس عشرة الماضية منتجات جديدة إلى سلة صادراتها بحدود منتجين إلى 19 منتجًا، فيما أضافت الدول المستوردة للنفط ذات الدخل المتوسط ما بين 20 و60 منتجًا جديدًا، وأضافت الدول الهشة والمتأثرة بالنزاعات (العراق، لبنان، دولة فلسطين، الصومال، السودان، سوريا، اليمن) العدد الأصغر الذي يقدَّر بين ثلاثة وتسعة منتجات تصديرية.
يجب أن تعالج الحكومات القيود التي تعاني منها القطاعات ذات الإنتاجية العالية، وأن توجِد فرصًا للاستثمار خارج قطاع الهيدروكربونات من خلال اقتصاد كلّي سليم وسياسات هيكلية سليمة، وأن تعزز إنتاجية العمل من خلال تنمية المهارات. فعلى الرغم من بعض الإصلاحات الجارية، فلا يزال نطاق الإصلاحات الهيكلية المطلوبة كبيرًا في معظم الدول العربية، وينبغي إيلاء اهتمام خاص للإصلاحات الهيكلية التي تتيح تحقيق تحول أخضر ورقمي للاقتصاد، والتي تعزز المؤسسات الاقتصادية وبيئة الأعمال بما يلائم النشاط الاقتصادي القائم على السوق، ودمج اقتصادات المنطقة هو خطوة مهمة أخرى يمكن اتخاذها من خلال التكامل الاقتصادي العربي وخطواته؛ (منطقة التجارة الحرة، والاتحاد الجمركي، والسوق العربية المشتركة).
وفي سبيل التقدم نحو تكامل إقليمي أفضل، وتنفيذ الإصلاحات على مستوى السياسات الوطنية، لا بد من إصلاحات عميقة تتجاوز حدود الدول لتتيح للشركات والأفراد العمل عبر الحدود الوطنية كما ولا تزال الاستثمارات غير كافية لتلبية الاحتياجات الإنمائية المتزايدة في الدول العربية، وهذا ما يبطئ من سرعة التكامل الاقتصادي، ومن درجة التعقيد الاقتصادي.
أخيرا فإن التعَّقيد الاقتصادي يلعب دورا مركزيا في تعزيز ودعم التنمية الانسانية بمفهومها الاقتصادي في الدول العربية ويسرع من تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة 2030 في الدول العربية، ولا سيما عند إدماج مجالات الاستثمار في الذكاء الصناعي ضمن مشمولات أهداف التنمية المستدامة، لتعظيم الاستفادة من تقنيات الذكاء الصناعي بجانب مستجدات قطاعات المدن الذكية وتنمية القدرات البشرية، والرعاية الصحية، والمواصلات والبيئة والحراك الاقتصادي.