مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

الوساطة ودورها في إيقاف الحرب

نقطة تحول في الحرب الروسية الأوكرانية، إذ بعد المكاسب التي حققها الروس في الجنوب والشرق، جاءت الانتكاسات وتراجع الجيش الروسي المصنف عالمياً أنه يحتل المرتبة الثانية بين أقوى جيوش العالم، فلماذا حصل هذا التراجع من بعض الأراضي الأوكرانية التي ضمتها روسيا في بداية اجتياحها؟
لا شك أنَّ هذا التراجع تسبب في صداع سياسي للقيادة الروسية، وتأجل على إثرها مشروع النصر ولم يبق ذلك خفياً عن عيون الإعلام، ولكن تكشفت تصورات أخرى استشعر بوتين بواطن ضعف قراءة المشهد العسكري، فبدأت رقابة حاسمة نتج عنها إقالة نائب وزير الدفاع.
وشهدت المرحلة الجديدة تنامي في توقعات الغرب، وأصبح في مستطاع القادة والاستراتيجيين في الغرب احتساب أن أوكرانيا يمكن لها أن تصمد عسكرياً، بل وتتقدم، ومنحهم ذلك ضمانة قوية لمزيد من الدعم واتخاذ قرارات مسؤولة بقوة أكبر، ويعد مؤكداً أن هذا التحول في التفكير سيطلق العنان لديناميكية دعم عسكري لأوكرانيا جديد، ونمط مسارها في تواتر منظم يخبر أن الوضع المثير لم يستنفد كل الامتيازات، بل ظل موضوعاً عملياً قيد التساؤلات، فما هي المصالح التي تضغط في هذا الاتجاه؟ وماذا سيكون الحال بعد أول تعبئة عسكرية في تاريخ روسيا الحديثة، وما أهميتها في الحرب الدائرة اليوم بعد القرار الروسي الذي تضمن استدعاء 300 ألف من قوات الاحتياط، في محاولة لتغيير الأحداث على أرض الواقع.
لقد جنحت المصاعب القائمة إلى التعبير عن نفسها بصورة غير طبيعية، أكثر مما تجلت في تناقضات مفتوحة، وهكذا أيضاً سيكون الأمر في السياسة الداخلية، بعد الإعلان عن التوجه لاستفتاء بأقاليم منفصلة عن أوكرانيا للانضمام لروسيا، في ظل المسؤولية الفعلية لهذا التراجع في مستوى القوة العسكرية والتصريحات الحادة لوزير خارجية روسيا ضد الغرب، لا شك أنها مؤشرات للتصعيد، فماذا سيكون رد فعل الغرب على هذا التصعيد بعد الإشادة بتقدم أوكرانيا، حرب ألقت بظلال من الشكوك على الطرفين المتحاربين، وتغيرت الأحداث بشكل أكثر دراماتيكية.
المؤكد هو أن روسيا لن تسمح إطلاقاً بالتراجع في كل ما اتخذته من قرارات سياسية، فمنذ فبراير (شباط) 2022، ظل بوتين يمارس الضغط على أعصاب البرجوازية الغربية ويحاول إنجاز أمرين مختلفين في وقت واحد، استمرار الحرب لوقت أطول وبقاء الشعب الروسي بمنأى عن الحرب، وحفاظ روسيا على أعصابها.
لكن مؤخراً أدرك الروس مدى خطورة الإمدادات القادمة من أوروبا وأميركا والأسلحة النوعية التي يقدمانها، ولذا لجأوا للتعبئة.
وبعدما بدا للعالم أن الوضع وكأنه يراوح مكانه لفترة طويلة، ليفاجأ بالتقدم الأوكراني، علماً أن الجيش الروسي من أقوى جيوش العالم، يصل عدد جنوده إلى مليونٍ وثلاثمائة وخمسين ألف جندي.
ثمة شيء يجب أن يُسلم به أن كل محاولة للتغيير تضاعف عبء المسؤولية، التي يتوقف كل شيء على حدتها، ليأتي هذا التغيير في هيئة الأركان العامة تزامناً مع إعلان بوتين للتعبئة بمئات آلاف الروس لدعم الحرب في أوكرانيا، وتشكل التعبئة تحدياً تنظيمياً كبيراً يتطلب استدعاء جنود الاحتياط لتجهيزهم وإرسالهم إلى مراكز تدريب ثم إلى الجبهة، فالأمر لا يخلو من مضمون مؤمن عليه، وسيعلن لاحقاً بكل وضوح الأهداف ووسائل الصراع.
فبعد التعبئة الجزئية من أجل قلب مسار التراجع في أوكرانيا، يبدو أن الحرب لن تتوقف، ولكن رغم هذا تظل فرص السلام ووقف الحرب ممكنة من الوسطاء، وخاصة بعد وساطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إعادة الأسرى لبلدانهم ونجاح المهمة.
لذا فإنه يصح أن نقول إن هناك تفاؤلاً كبيراً في أن تلعب الوساطة دوراً حيوياً لإيقاف الحرب والوصول إلى تسوية، وإنقاذ العالم من مأزق خطير.