دانييلا جيه. لاماس
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

أين ذهب جميع مرضى ما بعد كوفيد؟

قبل عامين، خلال أسوأ موجات جائحة فيروس كوفيد، أخبرنا أنا وزملائي أنفسنا ما يبدو الآن كأنه قصة ساذجة.
في أعقاب هذا الفيروس، سنطوّر نظاماً قوياً لمتابعة المرضى الذين كانوا في أشد حالات المرض داخل المستشفيات التي نعمل بها، وكثير منهم من المجتمعات المحرومة من الخدمات الطبية. كنا نعلم أنَّ الناجين من المرض الشديد والاستشفاء لفترات طويلة من المحتمل أن يتأثروا بالإرث غير المقصود للرعاية الحرجة، المسماة «متلازمة العناية المركزة اللاحقة»، ومن أعراضها القلق والاكتئاب والإجهاد اللاحق للصدمة والخلل الإدراكي، وذلك ناهيك بالندوب في الرئتين والضعف الشديد الذي قد ينجم من أسابيع على جهاز التنفس الصناعي.
ومع وضع هذا في الاعتبار، عكفنا على تطوير مركز «كوفيد ريكافري»، وهو عبارة عن عيادة -مثل الكثير من العيادات الأخرى الموجودة بمختلف أرجاء البلاد- مخصصة لخدمة المرضى الذين سبقت لهم الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» وآثاره. ومن المؤكد أنَّ أولئك الذين تحملوا العبء الأكبر من هذا المرض سيستفيدون من جهود الفحص والمتابعة التي ربما في ظروف أخرى لم تكن لتتاح لهم.
ومع ذلك، عندما تم افتتاحها، كانت العيادة تغمرها حالات المرضى الذين لم يدخلوا المستشفى وأحالوا أنفسهم إلى العيادة من تلقاء أنفسهم. وكانوا يعانون مما نعرفه الآن باسم «كوفيد طويل الأمد» -عبارة عن مجموعة من الأعراض تتضمن التعب المنهك، وضيق التنفس، وأعراضاً عصبية وأكثر من ذلك مما يمكن حدوثه حتى بعد التعرض لإصابة خفيفة.
وجاء الكثيرون إلى العيادة وقد تملكهم اليأس، وكانت الأعراض التي يعانون منها -نبضات قلوبهم المتسارعة، والتفكير الضبابي، مدمرة لدرجة أنهم لم يتمكنوا من العمل- بحاجة إلى علاج. إلا أن هذا الأمر تركنا نتساءل فيما بين أنفسنا عن كل من لم نكن نراه في تلك المجموعة: جميع الأشخاص الذين عالجناهم داخل وحدات العناية المركزة، والمرضى غير الناطقين باللغة الإنجليزية الذين جرى نقلهم إلينا من المستشفيات في المجتمعات النائية.
من ناحيتها، قالت د.إليزابيث جاي، مديرة المركز: «يجب أن تكون محدداً للغاية في بذل الجهود للوصول إلى مجموعات معينة من المرضى، والتغلب على حواجز مثل اللغة والمواصلات». وللوصول إلى هذه الغاية، أقامت هي وفريقها شراكات مع منظمات مجتمعية.
ومع ذلك، فإنه من بين أكثر من 1200 مريض جرى فحصهم في عيادتنا بين أبريل (نيسان) 2021 وأبريل 2022، كان ما يقرب من 80 في المائة منهم من البيض، وأكثر عن 70 في المائة من الإناث. في المقابل، يبدو أن أولئك الذين اعتنينا بهم داخل المستشفيات، خصوصاً خلال الموجة الأولى من الجائحة، كانوا رجالاً من أصحاب البشرة الداكنة وكذلك الأصول الإسبانية بشكل غير متناسب مع نسبتهم من بين إجمالي السكان. من ناحيتها، قالت لي د.جاي: «بالنظر إلى البيانات، نعلم أننا لا نرى المرضى الذين تحملوا العبء الأكبر فيما يخص موجات دخول المستشفى جراء الجائحة».
في الواقع، لم تكن التجربة في المستشفى التي أعمل بها فريدة من نوعها، وإنما كان مثلها الكثير. وقد سمعت قصصاً مماثلة من أطباء يعتنون بمرضى ما بعد كوفيد في جميع أنحاء البلاد، من مدينة نيويورك إلى كاليفورنيا. وبات واضحاً أمامي أن أولئك الذين تضرروا بشدة جراء الإصابة بهذا الفيروس، ممثَّلون تمثيلاً ناقصاً إلى حد كبير في إطار جهود الرعاية والمتابعة المتعلقة بفيروس «كوفيد» تحديداً.
هنا، ثمة قضيتان منفصلتان، لكنهما متشابكتان، تتعلَّق إحداهما بأفضل طريقة لخدمة أولئك الذين كانوا مرضى بما يكفي لأن يكابدوا تجربة دخول المستشفى لفترات طويلة ولكن، لأسباب غير واضحة، يبدو أنهم أقل عُرضة لمعايشة الأعراض طويلة الأمد لـ«كوفيد». أما القضية الثانية، فتتعلق بما إذا كان عبء التداعيات طويلة الأمد لـ«كوفيد» محسوساً، لكن لا يجري التعامل معه داخل مجتمعات الأقلية. والتساؤل هنا: كيف نضمن حصول أولئك الذين تحملوا وطأة هذا المرض على أفضل فرصة للتعافي والازدهار بعد ذلك؟
في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس، وجدت د.نيشا فيزواناثان أنها تستقبل في عيادتها بشكل غير متناسب مرضى «كوفيد طويل الأمد»، ممن يتمتعون بظروف جيدة ومهارة في التنقل عبر مختلف جنبات نظام الرعاية الصحية، بل يمكنهم -في حالات قليلة- ترتيب طائرة خاصة للطيران من منزلهم إلى لوس أنجليس. وبذلك، أصبحت المتابعة الطبية للتداعيات الصحية للإصابة بـ«كوفيد» بمثابة رفاهية لا يملكها سوى الميسورين.
هؤلاء هم المرضى الذين يمكنهم الاتصال بالعيادة بشكل متكرر، ويمكنهم تحمل الحصول على أيام إجازة من العمل لإعادة التأهيل الرئوي والمواعيد الأخرى. وهنا، تتساءل د.فيسواناثان: «كيف تقدم الرعاية للأشخاص الأكثر احتياجاً عندما يكون لديك هذا الحشد المنافس؟».
ويثير هذا الأمر القلق بشكل خاص بالنظر إلى البيانات الواردة من مؤسستها الخاصة، التي أجرت مسحاً لمرضى «كوفيد» بعد خروجهم من المستشفى، ووجدت أن المرضى أصحاب البشرة الداكنة واللاتينيين يعانون من أعراض مستمرة، مثل التعب وضيق التنفس بمعدلات مماثلة لأقرانهم البيض. في حين أن توقعات نظام الرعاية الصحية وتجربة المرض مختلفة عبر الثقافات، فإن التفاوت في القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية يمكن أن يكون له تأثير على ما إذا كان المرضى يسعون للحصول على الرعاية. وهنا تحديداً تكمن المعاناة.
وعلى الرغم من أن تمويل أبحاث المعاهد الوطنية للصحة أدى إلى حد ما، إلى بناء المستشفيات عيادات لأولئك الذين يعانون من أعراض «كوفيد طويل الأمد»، لم تكن هناك نفس الحوافز لرعاية المرضى الذين يعانون من متلازمة ما بعد العناية المركزة. ونتيجة لذلك، حتى عيادات العناية المركزة التي جرى إنشاؤها -مثل تلك التي تديرها د. كارلا سيفين في فاندربيلت في ناشفيل بولاية تينيسي لا تزال تكافح من أجل تفحص المرضى في الوقت المناسب.
وعن ذلك، قالت د.سيفين: «هؤلاء المرضى من الشباب ومنهكون للغاية، وهم يأتون إليّ متأخرين ستة أشهر، لأنَّنا لا نملك الموارد لمتابعتهم وتحديد مواعيد لهم». وأضافت: «نعم، لدينا مشكلة جديدة، وهي تداعيات كوفيد طويلة الأمد، ولكن لدينا في الوقت ذاته مشكلة قديمة، وهي متلازمة ما بعد العناية المركزة، والتي لا تزال تفتقر إلى الاهتمام المطلوب، رغم معاناة الكثيرين منها الآن. هذا الوضع مهزلة».
من ناحية أخرى، لا يتعلق شيء من هذا بـ«كوفيد» على وجه التحديد، ذلك أنه للأسف لطالما كان الوصول إلى الرعاية للحالات المزمنة حكراً على الأشخاص الميسورين، وكذلك الوصول إلى العلاج الطبيعي والطب النفسي والاختصاصيين الفرعيين الذين قد يصنعون الفرق بين النجاة من المرض الكارثي والازدهار.
إلا أنه من ناحية أخرى، ثمة طبقة إضافية من التعقيد تنفرد بها التداعيات اللاحقة لهذا الفيروس، وهي أنه ثمة حاجة فيما يخص كلاً من متلازمة ما بعد العناية المركزة و«كوفيد طويل الأمد»، إلى مزيد من البحث حول العلاجات الناجعة.
وبذلك يتضح لنا أنه عند كل منعطف، كشف «كوفيد - 19» عن خطوط صدع في نظام الرعاية الصحية والمجتمع لدينا. ومن غير المثير للدهشة أن الرعاية المقدمة في أعقاب الإصابة بهذا الفيروس، تهدد بترسيخ الفوارق الموجودة مسبقاً.