إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

هل تسافر لتكون سعيداً؟

السفر جميل. له فوائد حسب قدماء العرب. لكنه تحول إلى محنة في زمن المحاذير الأمنية والصحية. يمضي المسافر في المطارات ساعات ثقيلة بعد أن يكون قد قضى أسابيع للحصول على التأشيرة، وأنفق مالاً لشراء التذكرة وحجز الإقامة. لكن السفر يبقى حلماً يراود ملايين البشر في مختلف البلاد. من هنا جاء السؤال: هل هو ضروري للسعادة؟ هذا السؤال هو عنوان معرض ممتع تستضيفه المؤسسة الثقافية التابعة لدائرة الكهرباء الفرنسية.
خمسون لوحة وصورة وتسجيلاً تدعو الزائر للتساؤل عما طرأ على السفر من تغيرات. يتعامل القائمون على المعرض مع السفر كتحصيل حاصل. يتجاوزون فكرة التكلفة التي تجعل من الترحال بين القارات ممارسة طبقية تتاح لمن يقدر عليها. السعيد هو من يسافر والسفر يجعله أكثر سعادة. لم نعد في زمن البدو الرحل، يطوون الخيام من هنا لينصبوها هناك. إن الهدف من المعرض إعادة تصميم التنقل في أعقاب الأزمة الصحية العالمية، وكذلك تحديات البيئة. وإلى جانب هذه الاهتمامات العصرية المُلحّة فإن المعرض يتوقف، في جانب منه، عند النفي والهجرة القسرية، حين لا يكون السفر ترفيهاً وإجازة صيفية.
تعاونت في تنظيم المعرض عدة جهات ثقافية وعلمية. وبالإضافة إلى متعة اكتشاف أعمال فنانين قد يكونون غير معروفين للزائر، فإنه مدعو لمساءلة نفسه حول التخيلات الجديدة للمسافرين، اليوم وغداً. وحال تخطي العتبة الأولى تجد نفسك في غرفة مظلمة، تتجاذب عينيك كرات أرضية مضيئة متناثرة على الأرض. كأن الكواكب تؤدي رقصة جماعية على مسرح واحد. نحن هنا في مؤسسة تابعة لدائرة الكهرباء، وهو ما يبرر هذا الاهتمام بالنور. لكن بقية ما يراه الزائر لا تتوقف عند الكهرباء، بل تمضي إلى لوحات وصور سجلتها أنامل حساسة وأعين ذكية في بقاع بعيدة من العالم، وهي «تجمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا»، على حد قول شاعر الحب قيس.
ما الذي أخذ ذلك العجوز الأميركي إلى الأقصر؟ إنه السفر. بالسفينة أو الطائرة وغداً بالتاكسي الفضائي. والأمر نفسه يقال عن سائق عربة الحمل الذي ينقل صرراً وأقمشة شرقية متجهاً نحو ساحة الباستيل في باريس. وما موقع السعادة هنا؟ هل يرضي المتفرج تأمل صورة لم يكن شريكاً فيها إلا بالنظر، سعيداً سعادة من شد الرحال إلى مصر وفرنسا والتقط لنفسه «سيلفي» في عين المكان؟ لعل الجواب لدى عالم الاجتماع الفرنسي رودلف كريستن، أحد الذين ساهموا في تجميع مادة المعرض. وقد اشتهر كريستن بعد أن نشر كتاباً بعنوان: «دليلك للسياحة المضادة». وفي الكتاب ورد مصطلح «رهاب السياحة». مرض نفسي سببه قيود السفر المستجدة بسبب الإرهاب، وحواجز التفتيش الشخصي، وتصوير محتويات الحقائب. صدر الكتاب قبل خمس سنوات وجاءت «كورونا» وزادت طينَ المطارات بلّة. بات المسافر مرشحاً للحجر الصحي بعد هبوطه من الطائرة. عشرة أيام لا يلتقي فيها بشراً.
وعودة إلى عنوان المعرض: «هل تسافر لتكون سعيداً؟». فقد كتب أحد النقاد يقول إنه سؤال ليس بريئاً. والدليل أن الأعمال المعروضة لا تركز على متعة السياحة، بل على المشكلات الجديدة المتعلقة بالاحتباس الحراري وتلوث الشواطئ واستهلاك الكربون وتقلص الغابات. هذا وقد فاتتهم حرائقها. وهناك لوحة لمجموعة من البطاقات السياحية التي اعتاد المسافرون إرسالها لمعارفهم. لوحة تبدو بريئة. لكن المغزى يأتي من الإشارة إلى وجود خمسة مليارات بطاقة بريدية في العالم حول برج «إيفل». لقد تقزّمتْ العاصمة الفرنسية لصالح صرح واحد من معالمها.